بِاسْتِئْنَافِ الطَّهَارَةِ
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى قَوْمًا وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَقَالَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
حَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ
وَالتَّفْرِيقُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَضَعَهُ مَوَاضِعَهُ لِأَنَّ مَوَاضِعَهُ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَشْرِطْ فِيهِ الْمُوَالَاةَ وَتَرَكَ التَّفْرِيقَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
قَوْلُهُ فِي لَفْظٍ آخَرَ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّتَابُعَ فَهُوَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ مِنْ تَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ قَوْله تَعَالَى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ أَمْرًا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا عَلَى الْفَوْرِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ اسْتَقْبَلَ إذْ لَمْ يَفْعَلْ الْمَأْمُورُ بِهِ قِيلَ لَهُ الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ فِعْلِهِ عَلَى الْمُهْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَارِكَ الْوُضُوءِ رَأْسًا لَا تَفْسُدُ طَهَارَتُهُ إذَا فَعَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوَامِرِ الَّتِي لَيْسَتْ مُوَقَّتَةً فَإِنْ تَرَكَهَا فِي وَقْتِ الْأَمْرِ بِهَا لَا يُفْسِدُهَا إذَا فَعَلَهَا وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا أَوْلَى وَذَلِكَ لِأَنَّ غَسْلَ الْعُضْوِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَوْرِ قَدْ صَحَّ عِنْدَنَا جَمِيعًا وَتَرْكُهُ لِغَسْلِ بَاقِي الْأَعْضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَيِّرَ حُكْمَ الْأَوَّلِ وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لِأَنَّ فِي إيجَابِ إعَادَتِهِ إبْطَالُهُ عَنْ الْفَوْرِ وَإِيجَابُ فِعْلِهِ عَلَى التَّرَاخِي فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا عَلَى حُكْمِهِ فِي صِحَّةِ فِعْلِهِ بَدِيًّا عَلَى الْفَوْرِ وَاحْتَجَّ أَيْضًا الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ
بِحَدِيثِ ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً إلَّا بِهِ
قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ قِيلَ لَهُ هَذَا دَعْوَى وَمِنْ أَيْنَ لَك أَنَّهُ فَعَلَهُ مُتَتَابِعًا وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ غَسَلَ وَجْهَهُ فِي وَقْتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ بَعْدَ سَاعَاتٍ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْضَائِهِ لِيُفِيدَ الْحَاضِرِينَ حُكْمَ جَوَازِ فِعْلِهِ مُتَفَرِّقًا وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ تَابَعَ لَمْ يَدُلَّ قَوْلُهُ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ لِأَنَّ
قَوْلَهُ هَذَا وُضُوءٌ
إنَّمَا إشَارَةٌ إلَى الْغَسْلِ لَا إلَى الزَّمَانِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ بَعْضُهُ مَنُوطًا بِبَعْضٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ لِبَعْضِهِ حُكْمٌ إلَّا بِجَمِيعِهِ أَشْبَهَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ قِيلَ لَهُ هَذَا مُنْتَقَضٌ بِالْحَجِّ لِأَنَّ بَعْضَهُ مَنُوطٌ بِبَعْضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ بَطَلَ إحْرَامُهُ وَطَوَافُهُ الَّذِي قَدَّمَهُ وَلَمْ يَجِبْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُتَابَعَةُ أَفْعَالِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِغَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ حُكْمٌ دُونَ بَعْضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِذِرَاعِهِ عُذْرٌ لَسَقَطَ فَرْضُ طَهَارَتِهِ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّلَاةُ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا كُلَّهَا مَنُوطَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ جَمِيعُهَا أَوْ يَثْبُتَ جَمِيعُهَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute