الْجِمَاعِ يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إبَاحَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ فِي حَالِ عَوَزِ الْمَاءِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ دُونَ الْإِنْزَالِ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَارِ بِهِ عَلَى فَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَوْنُ اللَّمْسِ حَدَثًا وَدَلِيلٌ آخَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّهَا قَدْ قُرِئَتْ عَلَى وَجْهَيْنِ أَوْ لامستم النساء ولمستم فمن قرأ أو لامستم فظاهره الجماع لا غير لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ نَادِرَةٍ كَقَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ وجازاه وَعَافَاهُ اللَّهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهِيَ أَحْرُفٌ مَعْدُودَةٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا أَغْيَارُهَا وَالْأَصْلُ فِي الْمُفَاعَلَةِ أَنَّهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ كَقَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ وَضَارَبَهُ وَسَالَمَهُ وَصَالَحَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ فَالْوَاجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْجِمَاعِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّك لَا تَقُولُ لَامَسْت الرَّجُلَ وَلَامَسْت الثَّوْبَ إذَا مَسِسْته بِيَدِك لِانْفِرَادِك بِالْفِعْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ لامَسْتُمُ بِمَعْنَى أَوْ جَامَعْتُمْ النِّسَاءَ فَيَكُونُ حَقِيقَتُهُ الْجِمَاعَ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَتْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ [أو لمستم] يحتمل اللمس وَيَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَى وَاحِدًا لِأَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَى وَاحِدًا فَهُوَ الْمُحْكَمُ وَمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَهُوَ الْمُتَشَابِهُ وقد أمرنا الله تعالى بحكم الْمُتَشَابِهِ عَلَى الْمُحْكَمِ وَرَدِّهِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ الْآيَةَ فَلَمَّا جُعِلَ الْمُحْكَمُ أُمًّا لِلْمُتَشَابِهِ فَقَدْ أَمَرَنَا بِحَمْلِهِ عَلَيْهِ وَذَمَّ مُتَّبِعَ الْمُتَشَابِهِ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى حُكْمِهِ بِنَفْسِهِ دُونَ رَدِّهِ إلَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ [أَوْ لَمَسْتُمْ] لَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ كَانَ مُتَشَابِهًا وَقَوْلُهُ أَوْ لامَسْتُمُ لَمَّا كَانَ مَقْصُورًا فِي مَفْهُومِ اللِّسَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ مُحْكَمًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ معنى المتشابه مبينا عَلَيْهِ
فَإِنْ قِيلَ لَمَّا قُرِئَتْ الْآيَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْت وَكَانَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ قِرَاءَةُ مَنْ قرأ أو لامستم النساء وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يَحْتَمِلُ اللَّمْسَ بِالْيَدِ وَيَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَجَبَ أَنْ نَجْعَلَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالْآيَتَيْنِ لَوْ وَرَدَتَا أحدهما كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ فَنَسْتَعْمِلُهَا فِيهِ وَالْأُخْرَى صَرِيحَةٌ في اللمس باليد خاصة فتستعملها فِيهِ دُونَ الْجِمَاعِ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ مُسْتَعْمَلًا عَلَى مُقْتَضَاهُ مِنْ كِنَايَةٍ أَوْ صَرِيحٍ إذْ لَا يَكُونُ لَفْظٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةٌ مجاز وَلَا كِنَايَةً صَرِيحًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَنَكُونُ مَعَ ذَلِكَ قَدْ اسْتَعْمَلْنَا حُكْمَ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى فَائِدَتَيْنِ دُونَ الِاقْتِصَارِ بِهِمَا عَلَى فَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَفَ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute