وَلَا يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَضْيِيعُ الْمَالِ إذْ كَانَ يَمْلِكُ بِإِزَاءِ مَا أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ مِثْلَهُ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي أَخَذَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا يَتَيَمَّمُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ جُنُبًا فَوَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ وَلَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ يَتَيَمَّمُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَسْتَعْمِلُ الْجُنُبُ هَذَا الْمَاءَ فِي الِابْتِدَاءِ وَيَتَيَمَّمُ فَإِنْ أحدث بعد ذلك وعند مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ يَتَوَضَّأُ بِهَذَا الْمَاءِ مَا لَمْ يَجِدْ مَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ وَيَتَيَمَّمُ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلَى قَوْله تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَ أَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا الْمَاءُ عِنْدَ وُجُودِهِ أَوْ التُّرَابُ عِنْدَ عَدَمِهِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ بِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مِنْ فَرْضِ هَذَا الرَّجُلِ التَّيَمُّمَ وَأَنَّ صَلَاتَهُ غَيْرُ مُجْزِيَةٍ إلَّا بِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَيْسَ هُوَ الْمَاءُ الْمَفْرُوضُ بِهِ الطَّهَارَةُ إذْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ الْمَفْرُوضُ بِهِ الطَّهَارَةُ مَوْجُودًا لَمْ تَكُنْ صِحَّةُ صَلَاتِهِ مَوْقُوفَةً عَلَى فِعْلِ التَّيَمُّمِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَأَبَاحَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ مَاءٍ مَنْكُورٍ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ كَافِيًا لِطَهَارَتِهِ أَوْ غَيْرَ كَافٍ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ قِيلَ لَهُ الدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ هَذَا التَّأْوِيلِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ مِنْ فَرْضِهِ التَّيَمُّمَ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمَاءِ مَأْمُورًا بِاسْتِعْمَالِهِ بِالْآيَةِ لَمَا لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ مَعَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ قِيلَ فَنَحْنُ لَا نُجِيزُ تَيَمُّمَهُ إلَّا بَعْدَ عَدَمِ هَذَا الْمَاءِ بِاسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ فَحِينَئِذٍ يَتَيَمَّمُ قِيلَ لَهُ لو كان هذا على ما ذكر لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّيَمُّمِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الَّذِي مَعَهُ فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ التَّيَمُّمَ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَيْسَ هُوَ الْمَفْرُوضُ بِهِ الطَّهَارَةُ وَلَا مَا أُبِيحَ التَّيَمُّمُ بِعَدَمِهِ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ وُجُودُ هَذَا الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ فِي بَابِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَجَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَأَيْضًا لَمَّا لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَيْنَ غَسْلِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فِي الرِّجْلِ الْأُخْرَى لِكَوْنِ الْمَسْحِ بَدَلًا مِنْ الْغَسْلِ فَلَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَالتَّيَمُّمِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ كَالْمَسْحِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرَّجُلِ فَلَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَبَيْنَ مَا لَا يَرْفَعُهُ فِي الْمَسْحِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغَسْلِ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ عَلَى أَنْ يَكُونَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute