للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَشُكَّ وَوَجَدَ الْمَاءَ وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ إيجَابَ الْوُضُوءِ بِوُجُودِ الْمَاءِ لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي عَنْهُ وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ بَاقٍ لَمْ يَرْتَفِعْ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنْ قِيلَ مَا تَقُولُ لَوْ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ قِيلَ لَهُ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُضِيُّ عَلَيْهَا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَالدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَجَوَابٌ آخَرُ عَمَّا أَوْرَدَهُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ مُجْمَلٌ لَا يَصِحُّ الْإِيجَابُ بِهِ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ كُلَّ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ يُوجَدُ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا أَرَادَ صَوْتًا أَوْ رِيحًا عَلَى صِفَةٍ لَا يَدْرِي مَا هُوَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى دَلَالَةٍ فَإِنْ ادَّعَوْا فِيهِ الْعُمُومَ كَانَ دَلَالَةً لَنَا لِأَنَّهُ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِظَاهِرِهِ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بين الأصوات.

(فصل) وَيُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْآيَةَ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ مِنْ وجهين أحدهما قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْمَائِعَاتِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى غَاسِلًا بِهَا إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ فِيهِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ مِمَّا قَدْ شَمِلَهُ الْعُمُومُ وَالثَّانِي قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا فَإِنَّمَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُنْكَرٌ يَتَنَاوَلُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مُخَالِطًا لِغَيْرِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا بِنَفْسِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ مَاءٌ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ بِالظَّاهِرِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ نزول آية التيمم

وقبل إنْ نُقِلَ مِنْ الْمَاءِ إلَى بَدَلٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ حُكْمُ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ عَنْ الْمَاءِ إذْ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ فِي وَقْتٍ كانت الطهارة فيه مَقْصُورَةً عَلَى الْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِنَا وَرَوَى يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ وُضُوءٌ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَقَالَ عكرمة النبيذ وضوء إذا لم نجد غَيْرَهُ وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ رَكِبْت مَعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البجر ففنى ماؤهم فتوضؤوا بِالنَّبِيذِ وَكَرِهُوا مَاءَ الْبَحْرِ وَرَوَى الْمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ فَهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ جَوَازُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ظَهَرَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>