للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ تَوْبَةُ السَّارِقِ مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ عَنْهُ قِيلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَفِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ اسْتِثْنَاءٌ يُوجِبُ إخْرَاجَهُمْ مِنْ مُبْتَدَأً مُسْتَغْنِيًا بِنَفْسِهِ عَنْ تَضْمِينِهِ بِغَيْرِهِ وَكُلُّ كَلَامٍ اكْتَفَى بِنَفْسِهِ لَمْ نَجْعَلْهُ مُضَمَّنًا بِغَيْرِهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ وقَوْله تَعَالَى إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ نَجْعَلْهُ مُضَمَّنًا بِغَيْرِهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ وقَوْله تَعَالَى إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ مُفْتَقِرٌ فِي صِحَّتِهِ إلَى مَا قَبْلَهُ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ مُضَمَّنًا بِهِ وَمَتَى سَقَطَ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ وَجَبَتْ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحَاتِ وَضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ سَقَطَ ضَمَانُ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ وَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِهَذَا الْفِعْلِ يُسْقِطُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَالسَّارِقِ إذَا سَرَقَ وَقُطِعَ لَمْ يَضْمَنْ السَّرِقَةَ وَكَالزَّانِي إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَهْرُ وَكَالْقَاتِلِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ الْمَالِ كَذَلِكَ الْمُحَارِبُونَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ سَقَطَتْ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمُحَارِبِ وَجَبَ ضَمَانُ مَا تَنَاوَلَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ كَالسَّارِقِ إذَا درئ عنه الذي يكون به محاربا وَجَبَ ضَمَانُ مَا تَنَاوَلَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ نفس كالسارق إذا درئ عنه الَّذِي يَكُونُ بِهِ مُحَارِبًا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَالْكُوفَةِ لَيْلًا أَوْ نهارا فلا يَكُونُ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ إلَّا فِي الصَّحَارِي وَحَكَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَمْصَارَ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ وَهُمْ الْمُحَارِبُونَ يُقَامُ حَدُّهُمْ وَرُوِيَ عن أبى يوسف في اللصوص الذين يكسبون النَّاسَ لَيْلَا فِي دُورِهِمْ فِي الْمِصْرِ أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ يُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحَارِبًا حَتَّى يَقْطَعَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْقَرْيَةِ وَذُكِرَ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ الْمُحَارَبَةُ أَنْ يُقَاتِلُوا عَلَى طَلَبِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ نَائِرَةٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ هاهنا بَيْنَ الْمِصْرِ

وَغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ بِالسِّلَاحِ لِلْقَوْمِ حَتَّى يَغْصِبُوهُمْ الْمَالَ وَالصَّحَارِي وَالْمِصْرُ وَاحِدٌ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَكُونُ مُحَارِبًا بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَكُونَ خَارِجًا مِنْهَا

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا قَطْعَ عَلَى خائن ولا مختلس

فنفى صلّى الله عليه وسلّم الْقَطْعَ عَنْ الْمُخْتَلِسِ وَالْمُخْتَلِسُ هُوَ الَّذِي يَخْتَلِسُ الشيء وهو مُمْتَنِعٍ فَوَجَبَ بِذَلِكَ اعْتِبَارُ الْمَنَعَةِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ وَأَنَّهُمْ مَتَى كَانُوا فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا وَقَدْ يَلْحَقُ مَنْ قَصَدُوهُ الْغَوْثُ مِنْ قِبَلِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَكُونُوا مُحَارِبِينَ وَأَنْ يَكُونُوا بِمَنْزِلَةِ الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ فَيَكُونُ مُخْتَلِسًا غَاصِبًا لَا يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِذَا كَانَتْ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>