ثَمَنُ الْمِجَنِّ
فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ فِي إيجَابِ الْقَطْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثَمَنِ الْمِجَنِّ فَصَارَ ذَلِكَ كَوُرُودِهِ مَعَ الْآيَةِ مَضْمُومًا إلَيْهَا وَكَانَ تَقْدِيرُهَا وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا إذَا بَلَغَتْ السَّرِقَةُ ثَمَنَ الْمِجَنِّ وَهَذَا لَفْظٌ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى إجْمَالِهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ فِي تَقْوِيمِ الْمِجَنِّ فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر وَأَيْمَنَ الْحَبَشِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ فِي آخَرِينَ أَنَّ قِيمَتَهُ كَانَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَنَسٌ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ ثَمَنُ الْمِجَنِّ رُبْعُ دِينَارٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَقْوِيمًا مِنْهُمْ لِسَائِرِ الْمَجَانِّ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ كَاخْتِلَافِ الثِّيَابِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ فَلَا مَحَالَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَقْوِيمًا لِلْمِجَنِّ الَّذِي قَطَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَقْوِيمِهِ مِنْ حَيْثُ قَطَعَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لَيْسَ فِي قَطْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الْقَطْعِ عَمَّا دُونَهُ كَمَا أَنَّ قَطْعَهُ السَّارِقَ فِي الْمِجَنِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْقَطْعِ مقصور عليه دون غيره إذ كَانَ مَا فَعَلَهُ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْعُمُومِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْحَادِثَةِ فَإِذًا لَا مَحَالَةَ قَدْ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْقِيفٌ لَهُمْ حِينَ قَطَعَ السَّارِقَ عَلَى نَفْيِ الْقَطْعِ فِيمَا دُونَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إجْمَالِ حُكْمِ الْآيَةِ فِي الْمِقْدَارِ كَدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا لَفْظًا مِنْ نَفْيِ الْقَطْعِ عما دونه قِيمَةِ الْمِجَنِّ فَلَمْ يَجُزْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اعْتِبَارُ عُمُومِ الْآيَةِ فِي إثْبَاتِ الْمِقْدَارِ وَوَجَبَ طَلَبُ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْمِجَنِّ الَّذِي قَطَعَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ إجْمَالُهَا فِي الْمِقْدَارِ بِمُوجِبِ إجْمَالِهَا فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ مِنْ الْحِرْزِ وَجِنْسِ الْمَقْطُوعِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عُمُومًا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ مُجْمَلًا فِي حُكْمِ الْمِقْدَارِ فَحَسْبُ كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً عُمُومٌ فِي جِهَةِ الْأَمْوَالِ الْمُوجَبِ فِيهَا الصَّدَقَةُ مُجْمَلٌ فِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْهَا وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ مِنْ حَيْثُ عُلِّقَ فِيهَا الْحُكْمُ بِمَعَانٍ لَا يَقْتَضِيهَا اللَّفْظُ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ وَهُوَ الْحِرْزُ والمقدار والمعان الْمُعْتَبَرَةُ فِي إيجَابِ الْقَطْعِ مَتَى عُدِمَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ مَعَ وُجُودِ الِاسْمِ لِأَنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِأَخْذِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَاءِ وَمِنْهُ قِيلَ سَارِقُ اللسان وسارق الصَّلَاةِ تَشْبِيهًا بِأَخْذِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا وَهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي ذكرنا اعتبارها في الإيجاب القطع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute