لَهُ مِنْ الْيَدِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِلْبَطْشِ وَلَمْ يُقْطَعْ مِنْ أُصُولِ الْأَصَابِعِ حَتَّى يَبْقَى لَهُ الْكَفُّ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ لَهُ مِنْ الرِّجْلِ الْعَقِبُ فَيَمْشِي عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ قَطْعَ الْيَدِ لِيَمْنَعَهُ الْأَخْذَ وَالْبَطْشَ بِهَا وَأَمَرَ بِقَطْعِ الرِّجْلِ لِيَمْنَعَهُ الْمَشْيَ بِهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُ الْعَقِبِ لِلْمَشْيِ عَلَيْهِ وَمَنْ قَطَعَ مِنْ الْمَفْصِلِ الَّذِي هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ فَإِنَّهُ ذَهَبَ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَفْصِلَ مِنْ الرِّجْلِ بِمَنْزِلَةِ مَفْصِلِ الزَّنْدِ مِنْ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ مَفْصِلِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ مَفْصِلٌ غَيْرُهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ مَفْصِلِ الزَّنْدِ وَمَفْصِلِ أَصَابِعِ الْيَدِ مَفْصِلٌ غَيْرُهُ فَلَمَّا وَجَبَ فِي الْيَدِ قَطْعُ أَقْرَبِ المفصل إلَى مَفْصِلِ الْأَصَابِعِ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُقْطَعَ فِي الرِّجْلِ مِنْ أَقْرَبِ الْمَفَاصِلِ إلَى مِفْصَلِ الْأَصَابِعِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ مَفْصِلَ ظَهْرِ الْقَدَمِ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَظُهُورِ مِفْصَلِ الْكَعْبِ مِنْ الرِّجْلِ وَمِفْصَلِ الزَّنْدِ مِنْ الْيَدِ فَلَمَّا وَجَبَ قطع مفصل اليد ظاهر مِنْهُ كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الرِّجْلِ لما اُسْتُوْعِبَتْ الْيَدُ بِالْقَطْعِ وَجَبَ اسْتِيعَابُ الرِّجْلُ أَيْضًا وَالرِّجْلُ كُلُّهَا إلَى مَفْصِلِ الْكَعْبِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِّ إلَى مِفْصَلِ الزَّنْدِ وَأَمَّا الْقَطْعُ مِنْ أُصُولِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ جِهَةٍ صَحِيحَةٍ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ خَارِجٌ عَنْ الِاتِّفَاقِ وَالنَّظَرِ جَمِيعًا وَاخْتُلِفَ فِي قَطْعِ الْيَدِ الْيُسْرَى وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصديق وعلى ابن أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ لَمَّا اسْتَشَارَهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ إذا سرق قطعت يده اليمنى فإذا سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى فإذا سَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ وَحُبِسَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة وأبى يوسف وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى بَعْدَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى فَإِنْ سَرَقَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ اليمنى فإن سرق حبس حتى يحدث التوبة وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ تُقْطَعُ الْيَدُ الْيُسْرَى بَعْدَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يُقْتَلُ إنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز أنهم قتلوا سارقا بعد ما قُطِعَتْ أَطْرَافُهُ وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ الرِّجْلَ بَعْدَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ السُّنَّةُ الْيَدُ وَرَوَى عَبْدُ الرحمن ابن يَزِيدَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَا تَقْطَعُوا يَدَهُ بَعْدَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلَكِنْ احْبِسُوهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَرَوَى أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَهُمْ فِي السَّارِقِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute