للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ أَخْذُ الْأَبْدَالِ على هذه الأمور جائز لَجَازَ أَخْذُ الرُّشَا عَلَى إمْضَاءِ الْأَحْكَامِ فَلَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ أَخْذَ الرُّشَا عَلَى الْأَحْكَامِ وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأَبْدَالِ عَلَى الْفُرُوضِ وَالْقُرَبِ وَإِنْ أَعْطَاهُ الرِّشْوَةَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِبَاطِلٍ فَقَدْ فَسَقَ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَخْذُ الرِّشْوَةِ وَالْآخَرُ الْحُكْمُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَذَلِكَ الرَّاشِي وَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٌ السُّحْتَ عَلَى الْهَدِيَّةِ فِي الشَّفَاعَةِ إلَى السُّلْطَانِ وَقَالَ إنْ أَخْذَ الرُّشَا عَلَى الْأَحْكَامِ كُفْرٌ

وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَنْ قَدَّمْنَا قَوْلَهُ الرُّشَا مِنْ السُّحْتِ

وَأَمَّا الرِّشْوَةُ فِي غَيْرِ الْحُكْمِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٌ فِي الْهَدِيَّةِ إلَى الرِّجْلِ لِيُعِينَهُ بِجَاهِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ عَلَيْهِ مَعُونَتَهُ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ اللَّهُ فِي عَوْنِ الْمَرْءِ مَا دَامَ الْمَرْءُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ

وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الرِّشْوَةِ وَهُوَ الَّذِي يَرْشُو السُّلْطَانَ لِدَفْعِ ظُلْمِهِ عَنْهُ فَهَذِهِ الرِّشْوَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى آخِذِهَا غَيْرُ مَحْظُورَةٍ عَلَى مُعْطِيهَا وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إذَا خَافَ الظُّلْمَ وَعَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ

قَالَ الْحَسَنُ لِيُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ حَقًّا فَأَمَّا أَنْ تَدْفَعَ عَنْ مَالِك فَلَا بَأْسَ وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ مَا يَصُونُ بِهِ عِرْضَهُ وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ اجْعَلْ مَالَك جُنَّةً دُونَ دِينِك وَلَا تَجْعَلْ دِينَك جُنَّةً دُونَ مَالِك وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ لَمْ نَجِدْ زَمَنَ زِيَادٍ شَيْئًا أَنْفَعَ لَنَا مِنْ الرُّشَا فَهَذَا الَّذِي رَخَّصَ فِيهِ السَّلَفُ إنَّمَا هُوَ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يُرِيدُ ظُلْمَهُ أَوْ انْتِهَاكَ عِرْضِهِ

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَسَمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ وَأَعْطَى تِلْكَ الْعَطَايَا الْجَزِيلَةَ أَعْطَى الْعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيَّ شَيْئًا فَسَخِطَهُ فقال شعرا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم اقْطَعُوا عَنَّا لِسَانَهُ فَزَادُوهُ حَتَّى رَضِيَ

وَأَمَّا الْهَدَايَا لِلْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ كَرِهَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُهْدِي خَصْمٌ وَلَا حُكُومَةٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى

حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي قِصَّةِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ نَسْتَعْمِلُهُمْ عَلَى مَا وَلَّانَا اللَّهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَنَظَرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا

وَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ وَهَدَايَا الْأُمَرَاءِ سُحْتٌ

وَكَرِهَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ فقيل

<<  <  ج: ص:  >  >>