للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النكاح بعد شهود نجيزه إذا ترضوا بِهَا فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ فِي إقرارهم على مناكحتهم إلَى أَنَّهُ

قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ

هَجَرَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ نِكَاحَ ذَوَاتِ الْمَحْرَمِ وَمَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَسْتَحِلُّونَ كَثِيرًا مِنْ عقود المناكحات المحرمة ولم يأمر بالتفرقة بينهما حِينَ عَقَدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَوَادِي الْقُرَى وَسَائِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الذِّمَّةِ وَرَضُوا بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَفِي ذَلِكَ دليل أنه أقرهم على مناكحتهم كَمَا أَقَرَّهُمْ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَاعْتِقَادَاتِهِمْ الَّتِي هِيَ ضَلَالٌ وَبَاطِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ اسْتِحْلَالَهُمْ لِلرِّبَا كَتَبَ إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ إمَّا أَنْ تَذَرُوا الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَمْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ حِينَ عَلِمَ تَبَايُعَهُمْ بِهِ وَأَيْضًا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا فَتَحَ السَّوَادَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَكَانُوا مَجُوسًا وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْهُمْ مع علمه بمناكحتهم وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ جَرَوْا عَلَى مِنْهَاجِهِ فِي تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى سَعْدٍ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْهُمْ وَأَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ الْمُذْهَبِ فِيهِ قِيلَ لَهُ لَوْ كان هذا ثابتا لورد النقل مُتَوَاتِرًا كَوُرُودِهِ فِي سِيرَتِهِ فِيهِمْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَوَضْعِ الْخَرَاجِ وَسَائِرِ مَا عَامَلَهُمْ بِهِ فَلَمَّا لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ عَلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُ إلَى سَعْدٍ بِذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِيمَنْ رَضِيَ مِنْهُمْ بِأَحْكَامِنَا وَكَذَلِكَ نَقُولُ إذَا تَرَاضَوْا بِأَحْكَامِنَا وَأَيْضًا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ناسخ للتخيير المذكور في قوله فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَاَلَّذِي ثَبَتَ نَسْخُهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ التَّخْيِيرُ فَأَمَّا شَرْطُ الْمَجِيءِ مِنْهُمْ فَلَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى نَسْخِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الشَّرْطِ بَاقِيًا وَالتَّخْيِيرُ مَنْسُوخًا فَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ مَعَ الْآيَةِ الأخرى فإن جاؤك فاحكم بينهم بما أنزل وَإِنَّمَا قَالَ إنَّهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا إذَا رَضُوا بِهَا إلَّا فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا اعْتِرَاضٌ عَلَيْهِمْ قَبْلَ التَّرَاضِي مِنْهُمْ بِأَحْكَامِنَا فَمَتَى تَرَاضَوْا بِهَا وَارْتَفَعُوا إلَيْنَا فَإِنَّمَا الْوَاجِبُ إجْرَاؤُهُمْ عَلَى أَحْكَامِنَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنَّمَا تَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ لِأَنَّ امْرَأَةً تَحْتَ زَوْجٍ لَوْ طَرَأَتْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مَا وَجَبَ مِنْ الْعِدَّةِ بَقَاءَ الْحُكْمِ فَثَبَتَ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ وَلَا تَمْنَعُ الْبَقَاءَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>