وَقَدْ تَأَوَّلَتْ الْخَوَارِجُ هَذِهِ الْآيَة عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ تَرَكَ الْحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ لَهَا وَأَكْفَرُوا بِذَلِكَ كُلَّ مَنْ عصى الله بكبيرة أو صغيرة فإذا هم ذَلِكَ إلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ بِتَكْفِيرِهِمْ الْأَنْبِيَاءَ بِصَغَائِرِ ذُنُوبِهِمْ قَوْله تَعَالَى وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ الْآيَةَ فِيهِ إخْبَارٌ عَمَّا كَتَبَ اللَّهُ عَلَى بنى إسرائيل في التوراة من الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَفِي الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إيجَابِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّفْسِ لقوله تعالى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا حُكْمُهَا ثَابِتٌ إلَى أَنْ يَرِدَ نَسْخُهَا عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ فِي نَسَقِ الْآيَةِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ الْأَزْمَانِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ إلَى أَنْ يَرِدَ نسخه والثاني معلوم أنهم استحقوا اسمة الظُّلْمِ وَالْفِسْقِ فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ لِتَرْكِهِمْ الْحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ إمَّا جُحُودًا لَهُ أَوْ تَرْكًا لِفِعْلِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي سَائِرِ النُّفُوسِ مَا لَمْ تَقُمْ دَلَالَةُ نَسْخِهِ أَوْ تَخْصِيصِهِ وقوله تعالى وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الْعَيْنِ إذَا ضُرِبَتْ فَذَهَبَ ضَوْءُهَا وَلَيْسَ هُوَ عَلَى أَنْ تُقْلَعَ عَيْنُهُ هَذَا عِنْدَهُمْ لَا قِصَاصَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ استيفاء لا قصاص فِي مِثْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّا لَا نَقِفُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَجِبُ قَلْعُهُ مِنْهَا فَهُوَ كَمَنْ قَطَعَ قِطْعَةَ لَحْمٍ مِنْ فَخِذِ رَجُلٍ أَوْ ذِرَاعِهِ أَوْ قَطَعَ بَعْضَ فَخِذِهِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ فِيمَا قَدْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ أَنْ تُشَدَّ عَيْنُهُ الْأُخْرَى وَتُحْمَى لَهُ مِرْآةٌ فَتُقَدَّمَ إلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا وأما قوله تعالى وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا إذَا قَطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَظْمٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ وَكَمَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ نِصْفِ الْفَخِذِ لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ وَالْقِصَاصُ هُوَ أَخْذُ الْمِثْلِ فَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا وَقَالُوا إنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الأنف إذا قطع المارن وهو مالان مِنْهُ وَنَزَلَ عَنْ قَصَبَةِ الْأَنْفِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي الْأَنْفِ إذَا اُسْتُوْعِبَ الْقِصَاصَ وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ وَاللِّسَانُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا قِصَاصَ فِي الْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ إذَا اُسْتُوْعِبَ وقوله تعالى وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute