للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَاهُ كُسْوَةً فَلَمْ يَكْتَسِ بِهَا وَبَاعَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَاسِيًا بِإِعْطَائِهِ إذْ كَانَ مُوَصِّلًا إلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ بِإِعْطَائِهِ إيَّاهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصِدُ حُصُولَ الْمَطْعَمِ وَالِاكْتِسَاءِ وَأَنَّ الْمَقْصِدَ وُصُولُهُ إلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَخْتَلِفُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَالطَّعَامِ أَلَا تَرَى

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ثُمَّ قَالَ أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ

فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْغِنَى لَهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ لَا مِقْدَارُ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ إذْ كَانَ الْغِنَى عَنْ الْمَسْأَلَةِ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ كَحُصُولِهِ بِالطَّعَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَوْ جَازَتْ الْقِيمَةُ وَكَانَ الْمَقْصِدُ فِيهِ حُصُولُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ لِلْمَسَاكِينِ لَمَّا كَانَ لِذِكْرِ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَائِدَةٌ مَعَ تَفَاوُتِ قِيمَتِهَا فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ وَفِي ذِكْرِهِ الطَّعَامَ أَوْ الْكِسْوَةَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَتَعَدَّاهُمَا إلَى الْقِيمَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصَدُ حُصُولَ النَّفْعِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ عَيْنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ قِيلَ لَهُ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ظَنَنْت وَفِي ذِكْرِهِ الطعام والكسوة أعظم الفوائد وذلك أنه ذكرها ودلنا بما ذكر على جواز إعطاء قيمتها لِيَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ حِنْطَةً أَوْ يطعم أو يكسوا أَوْ يُعْطِيَ دَرَاهِمَ قِيمَةٍ عَنْ الْحِنْطَةِ أَوْ عَنْ الثِّيَابِ فَيَكُونُ مُوسَعًا فِي الْعُدُولِ عَنْ الأرفع إلى الأوكس إن تفاوت الْقِيمَتَانِ أَوْ عَنْ الْأَوْكَسِ إلَى الْأَرْفَعِ أَوْ يُعْطَى أَيَّ الْمَذْكُورِينَ بِأَعْيَانِهِمَا كَمَا

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ وَجَبَتْ فِي إبِلِهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ تُوجَدْ أُخِذَ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَشَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَخَيَّرَهُ فِي ذَلِكَ

وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِنْتُ لَبُونٍ وَهِيَ الْفَرْضُ الْمَذْكُورُ وَكَمَا جَعَلَ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَيْضًا قِيمَةً لِلْإِبِلِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهَا وَكَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ فَإِنْ جَاءَ بِهِ بِعَيْنِهِ قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ جَاءَ بِقِيمَتِهِ قُبِلَتْ مِنْهُ أَيْضًا وَلَمْ يُبْطِلْ جَوَازُ أَخْذِ الْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ حُكْمَ التَّسْمِيَةِ لِغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ مَا وَصَفْنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الْكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ وَالْعِتْقِ فَالْقِيمَةُ مِثْلُ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِأَنَّ فِي عُدُولِهِ إلَى الْأَرْفَعِ زِيَادَةٌ فَضِيلَةٌ وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَوْكَسِ رُخْصَةٌ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ فَهُوَ الْمَفْرُوضُ وَهَذَا مِثْلُ مَا نَقُولُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ إنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْهَا مِقْدَارُ آيَةٍ فَإِنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ كَانَ الْجَمِيعُ هُوَ الْمَفْرُوضُ وَالْمَفْرُوضُ مِنْ الرُّكُوعِ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يُسَمَّى بِهِ رَاكِعًا فَإِنْ أَطَالَ كَانَ الْفَرْضُ جَمِيعُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>