وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ فتعلق الْحُكْمَ مِنْهُ بِمَا تَنَالُهُ أَيْدِينَا وَرِمَاحُنَا وَلَمْ يُخَصِّصْ الْمُبَاحَ مِنْهُ دُونَ الْمَحْظُورِ الْأَكْلِ ثُمَّ خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْخَبَرِ وَذَكَرَ مَعَهَا الْكَلْبَ الْعَقُورَ فَكَانَ تَخْصِيصُهُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَذِكْرُهُ لِلْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا ابْتَدَأَ الْإِنْسَانَ بِالْأَذَى مِنْ الصَّيْدِ فَمُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَبْتَدِئَ بِالْأَذَى فَجَعَلَ حُكْمَهَا حُكْمَ حَالِهَا فِي الْأَغْلَبِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ لَا تَبْتَدِئُ فِي حَالٍ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ فِي الْأَشْيَاءِ بِالْأَعَمِّ الْأَكْثَرِ وَلَا حُكْمَ لِلشَّاذِّ النَّادِرِ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَقِيلَ هُوَ الْأَسَدُ فَإِنَّمَا أَبَاحَ قَتْلَهُ إذَا قَصَدَ بِالْعَقْرِ وَالْأَذَى وَإِنْ كَانَ الذِّئْبُ فَذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ فِي الْأَغْلَبِ فَمَا خَصَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ وَقَامَتْ دَلَالَتُهُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَمَا لَمْ يَخُصَّهُ وَلَمْ تَقُمْ دَلَالَةُ تَخْصِيصِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عُمُومِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ كَبْشٌ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَالضَّبُعُ مِنْ ذِي النَّابِ مِنْ السِّبَاعِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا كَبْشًا
فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قِسْت عَلَى الْخَمْسِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قِيلَ لَهُ إنَّمَا خَصَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْخَمْسَةَ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَخْصُوصِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ مَذْكُورَةً فِيهِ أَوْ دَلَالَةٌ قَائِمَةً فِيمَا خَصَّ فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ لِلْخَمْسِ عِلَّةٌ مَذْكُورَةٌ فِيهَا لَمْ يَجُزْ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا فِي تَخْصِيصِ عُمُومِ الْأَصْلِ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا يَبْتَدِئُ الْإِنْسَانَ بِالْأَذَى مِنْ السِّبَاعِ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ مِنْ فَحْوَى الْخَبَرِ وَلَا عِلَّتَهُ مَذْكُورَةٌ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ اعْتِبَارُهُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا ابْتَدَأَ الْمُحْرِمَ فِي سُقُوطِ الْجَزَاءِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَبَقِيَ حُكْمُ عُمُومِ الْآيَةِ فِيمَا لَمْ يَخُصَّهُ الْخَبَرُ وَلَا الإجماع وعن أَصْحَابِنَا مَنْ يَأْبَى الْقِيَاسَ فِي مِثْلِهِ لِأَنَّهُ حَصَرَهُ بِعَدَدٍ فَقَالَ خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ مَحْظُورٌ فَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي إسْقَاطِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْبَى صِحَّةَ الِاعْتِلَالِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْكُولٍ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْيٌ وَالنَّفْيُ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَإِنَّمَا الْعِلَلُ أَوْصَافٌ ثَابِتَةٌ فِي الْأَصْلِ الْمَعْلُولِ وَأَمَّا نَفْيُ الصِّفَةِ فَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فَإِنْ غُيِّرَ الْحُكْمُ بِإِثْبَاتِ وَصْفٍ وَجَعَلَ الْعِلَّةَ أَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ هُوَ الْحُكْمُ بِنَفْيِ الْأَكْلِ فَلَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَافِيًا لِلصِّفَةِ فَلَمْ يَصِحَّ الِاعْتِلَالُ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute