مِثْلَهُ لَا يَكُونُ ذَائِقًا وَبَالَ أَمْرِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ شَاءَ الْمُحْرِمُ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ الطَّعَامِ يَوْمًا وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ بَعْضٍ وَأَطْعَمَ بَعْضًا فَأَجَازُوا الْجَمْعَ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالطَّعَامِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مَعَ الْإِطْعَامِ فَلَمْ يُجِيزُوا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَفَرَّقُوا أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِأَنْ يَعْتِقَ نِصْفَ عَبْدٍ وَيُطْعِمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ فَأَمَّا الصَّوْمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّمَا أَجَازُوا الْجَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الصِّيَامَ عَدْلًا لِلطَّعَامِ وَمِثْلًا لَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ عَدْلُ ذلِكَ أن يَكُونُ مِثْلًا لَهُ فِي حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ إذْ لَا تَشَابُهَ بَيْنَ الصِّيَامِ وَبَيْنَ الطَّعَامِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا فِي قِيَامِهِ مَقَامَ الطَّعَامِ وَنِيَابَتِهِ عَنْهُ لِمَنْ صَامَ بَعْضًا فَكَأَنَّهُ قَدْ أَطْعَمَ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَجَازَ ضَمُّهُ إلَى الطَّعَامِ فَكَانَ الْجَمِيعُ طَعَامًا وَأَمَّا الصِّيَامُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الطَّعَامِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ فَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّعَامِ لَمْ يُجْزِهِ الصِّيَامُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِدٍ فَالصَّوْمُ فَرْضُهُ بَدَلًا مِنْهُ وَغَيْرُ جَائِزٍ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ كَالْمَسْحِ عَلَى أَحَدِ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلِ الرِّجْلِ الْأُخْرَى وَكَالتَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ وَمَا جَرَى مُجْرَى ذَلِكَ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالطَّعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّعَامُ فَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا أَعْتَقَ النِّصْفَ وَأَطْعَمَ النِّصْفَ فَهُوَ غَيْرُ فَاعِلٍ لِأَحَدِهِمَا فَلَمْ يُجْزِهِ وَالْعِتْقُ لَا يَتَقَوَّمُ فَيُجْزِي عَنْ الْجَمِيعِ بِالْقِيمَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُ أَنْ يَكْسُوَ خَمْسَةً وَيُطْعِمُ خَمْسَةً فَيُجْزِي بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ مُتَقَوِّمٌ فَيُجْزِي عَنْ أَحَدِهِمَا بِالْقِيمَةِ.
(فصل) قَوْله تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ يَنْتَظِمُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ إذَا قَتَلُوا فِي إيجَابِ جَزَاءٍ تَامٍّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لِأَنَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِيَالِهِ فِي إيجَابِ جَمِيعِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ قَدْ اقْتَضَى إيجَابَ الرَّقَبَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ إذَا قَتَلُوا نَفْسًا وَاحِدَةً وَقَالَ تَعَالَى وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً وعيدا لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِيَالِهِ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً وَعِيدٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ وَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يَتَدَافَعُونَهُ وَإِنَّمَا يَجْهَلُهُ مَنْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلَوْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا كَانَتْ عَلَى جميعهم دية
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute