للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّخْلَ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَآتُوا حقه يوم حصاده وَهُوَ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ فَمَنْ ادَّعَى خُصُوصَ شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ فَوَجَبَ بِذَلِكَ إيجَابُ الْحَقِّ فِي الْخُضَرِ وَغَيْرِهَا وَفِي الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْحَقَّ فِيمَا ذَكَرَ يَوْمَ حَصَادِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اسْتِحْكَامِهِ وَمَصِيرِهِ إلَى حَالٍ تَبْقَى ثَمَرَتُهُ فَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ وَقْتِ الْحَصَادِ مِنْ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ لَا يُحْصَدَانِ فَلَمْ يَدْخُلَا فِي عُمُومِ اللَّفْظِ قِيلَ لَهُ الْحَصَادُ اسْمٌ لِلْقَطْعِ وَالِاسْتِيصَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حتى جعلناهم حصيدا خامدين

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّة تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا

فَيَوْمَ حَصَادِهِ هُوَ يَوْمُ قَطْعِهِ فَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ فِي الْخُضَرِ وَفِي كُلِّ مَا يُقْطَعُ مِنْ الثِّمَارِ عَنْ شَجَرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ أَخْضَرَ رَطْبًا وَأَيْضًا قَدْ أَوْجَبَ الْآيَةُ الْعُشْرَ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يَوْمُ قَطْعِهِ لِشُمُولِ اسْمِ الْحَصَادِ لِقَطْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الحصاد هاهنا أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ وَاجِبٍ إخْرَاجُهُ بِنَفْسِ خُرُوجِهِ وَبُلُوغِهِ حَتَّى يَحْصُلَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أن الحق قد يلزمه بِخُرُوجِهِ قَبْلَ قَطْعِهِ وَأَخْذِهِ فَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ دُونَ مَا تَلِفَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ فِي يَدِهِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي جَمِيعِ الْخَارِجِ قَوْله تَعَالَى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ومما أخرجنا لكم من الأرض وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْخَارِجِ فَإِنْ قِيلَ النَّفَقَةُ لَا تُعْقَلْ مِنْهَا الصَّدَقَةُ قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ النَّفَقَةَ لَا يُعْقَلُ مِنْهَا غَيْرُ الصَّدَقَةِ وَبِهَذَا وَرَدَ الْكِتَابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ منه تنفقون وَقَالَ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَقَالَ تَعَالَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وعلانية الْآيَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ الْمُوجِبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ أمر وهو يقتضى الوجوب وليس هاهنا نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ إذْ النَّفَقَةُ عَلَى عِيَالِهِ وَاجِبَةٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ مَعْقُولَةٌ غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إلَى الْأَمْرِ فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى النَّدْبِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالثَّانِي قَوْله تَعَالَى وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>