أَنَّهُ إذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا عَامٌّ وَالْآخَرُ خَاصٌّ وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِعْمَالِ الْآخَرِ فَالْمُتَّفَقُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ قَاضٍ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَلَمَّا كَانَ خَبَرُ الْعُشْرِ مُتَّفَقًا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي خَبَرِ الْمِقْدَارِ كَانَ اسْتِعْمَالُ خَبَرِ الْعُشْرِ عَلَى عُمُومِهِ أَوْلَى وَكَانَ قَاضِيًا عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مَنْسُوخًا أَوْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ مَحْمُولًا عَلَى مَعْنَى لَا يُنَافِي شَيْئَا مِنْ خَبَرِ الْعُشْرِ وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ عَامٌّ فِي إيجَابِهِ فِي الْمَوْسُوقِ وَغَيْرِهِ وَخَبَرُ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ خَاصٌّ فِي الْمَوْسُوقِ دُونَ غَيْرِهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيَانِ أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِجَمِيعِ مَا اقْتَضَى الْبَيَانُ فَلَمَّا كَانَ خَبَرُ الْأَوْسَاقِ مَقْصُورًا عَلَى ذِكْرِ مِقْدَارِ الْوَسْقِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَانَ خَبَرُ الْعُشْرِ عُمُومًا في الموسق وَغَيْرِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَوْرِدَ الْبَيَانِ لِمِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا يُوسَقُ يُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ الْحَقِّ بُلُوغُ مِقْدَارِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَمَا لَيْسَ بِمَوْسُوقٍ يَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ولقوله عليه السلام فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفَقْدُ مَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ مِقْدَارِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْأَوْسَاقِ وهذا قول مطروح والقائل به ساقط مرزول لِاتِّفَاقِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ
كقوله صلّى الله عليه وسلّم فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعَشْرِ
وَقَوْلُهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ زَكَاةٌ
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الرِّقَةِ إلَّا وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَزْنِ وَالْأَوَاقِي مَذْكُورَةٌ لِلْوَزْنِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمِقْدَارِ جَمِيعِ الرِّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لِلَّهِ حُقُوقًا وَاجِبَةً فِي الْمَالِ غَيْرَ الزَّكَاةِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ كَمَا
رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالضَّحَّاكِ قَالَا نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ
فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّقْدِيرُ مُعْتَبَرًا فِي الْحُقُوقِ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً فَنُسِخَتْ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وَنَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ إذَا حَصَدْت طَرَحْت لِلْمَسَاكِينِ وَإِذَا كَدَّسْت وَإِذَا نَقَّيْت وَإِذَا عَلِمْت كَيْلَهُ عَزَلْت زَكَاتَهُ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ الْيَوْمَ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا رُوِيَ مِنْ تَقْدِيرِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي تِلْكَ الْحُقُوقِ وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ الْآيَةِ وَالْأَثَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى نَقْلِهِ بِهِ وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ زَكَاةٌ فَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ بِأَنْ يَكُونَ سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقِ طَعَامٍ أَوْ تَمْرٍ لِلتِّجَارَةِ فَأَخْبَرَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِقُصُورِ قِيمَتِهِ عَنْ النِّصَابِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَنَقَلَ الرَّاوِي كَلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ ذكر السبب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute