سَكَتَاتِك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ أَخْبِرْنِي مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فسما ساكتا وهو يدعوا خَفِيًّا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا هو إخفاء القول وليس بتركه رَأْسًا قِيلَ لَهُ إنَّمَا سَمَّيْنَاهُ سَاكِتًا مَجَازًا لِأَنَّ مَنْ لَا يَسْمَعُهُ يَظُنُّهُ سَاكِتًا فَلَمَّا أَشْبَهَ السَّاكِتَ فِي هَذَا الْوَجْهِ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ لِقُرْبِ حَالِهِ مِنْ حَالِ السَّاكِتِ كَمَا قَالَ تعالى صم بكم عمى تَشْبِيهًا بِمَنْ هَذِهِ حَالُهُ وَكَمَا قَالَ فِي الأصنام وتراهم ينظرون إليك تَشْبِيهًا لَهُمْ بِمَنْ يَنْظُرُ وَلَيْسَ هُوَ بِنَاظِرٍ في الحقيقة فإن قيل لا يقرأه الْمَأْمُومُ فِي حَالِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا يَقْرَأُ فِي حَالِ سُكُوتِهِ وَذَلِكَ لِمَا
رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم سكتات فِي صَلَاتِهِ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْأُخْرَى بَعْدَهَا
فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَكْتَةٌ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِيَقْرَأَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَاتِحَةَ الكتاب ثم ينصب لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ سَكَتَ سَكْتَةً أُخْرَى لِيَقْرَأَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ قِيلَ لَهُ أَمَّا حَدِيثُ السَّكْتَتَيْنِ فَهُوَ غير ثابت ولو ثبت لم يدل على ما ذكرت لأن سكتة الْأُولَى إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالثَّانِيَةُ إنْ ثَبَتَتْ فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّهَا بِمِقْدَارِ مَا يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا هِيَ فَصْلٌ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَبَيْنَ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ لِئَلَّا يَظُنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَ مَوْصُولًا بِهَا وَلَوْ كَانَتْ السَّكْتَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِمِقْدَارِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَكَانَ ذَلِكَ مُسْتَفِيضًا وَنَقْلُهُ شَائِعًا ظَاهِرًا فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِفَاضَةِ مَعَ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذْ كَانَتْ مَفْعُولَةً لِأَدَاءِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمَأْمُومِ ثَبَتَ أَنَّهُمَا غَيْرُ ثَابِتَتَيْنِ وَأَيْضًا فَإِنَّ سَبِيلَ الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ تَابِعًا لِلْمَأْمُومِ فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ يَسْكُتُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ وَهَذَا خِلَافُ
قوله صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى عَكْسِ مَا أمر به صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ
قَوْلِهِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا
فَأَمَرَ المأموم بالإنصات للإمام وهو بأمر الْإِمَامَ بِالْإِنْصَاتِ لِلْمَأْمُومِ وَيَجْعَلُهُ تَابِعًا لَهُ وَذَلِكَ خُلْفٌ مِنْ الْقَوْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَامَ فِي الثِّنْتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ سَاهِيًا لَكَانَ عَلَى الْمَأْمُومِ اتِّبَاعُهُ وَلَوْ قَامَ الْمَأْمُومُ سَاهِيًا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامِ اتِّبَاعُهُ وَلَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَسْجُدْ هُوَ وَلَا إمَامُهُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْهُ الْمَأْمُومُ لَكَانَ عَلَى الْمَأْمُومِ اتِّبَاعُهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مَأْمُورًا بِالْقِيَامِ سَاكِتًا لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُ وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ آثَارٌ مُسْتَفِيضَةٌ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute