للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْله تَعَالَى مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ فَكَانَ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ تَحْرِيمُ الْغَنَائِمِ وَفِي شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا تَحْرِيمُهَا حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ وَاقْتَضَى ظَاهِرُهُ إبَاحَةَ الْغَنَائِمِ وَالْأَسْرَى بَعْدَ الْإِثْخَانِ وَقَدْ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ مَأْمُورِينَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا منهم كل بنان وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فشدوا الوثاق وَكَانَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْقَتْلَ حَتَّى إذَا أُثْخِنَ الْمُشْرِكُونَ فَحِينَئِذٍ إبَاحَةُ الْفِدَاءِ وَكَانَ أَخْذُ الْفِدَاءِ قَبْلَ الْإِثْخَانِ مَحْظُورًا وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم حَازُوا الْغَنَائِمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَخَذُوا الْأَسْرَى وَطَلَبُوا مِنْهُمْ الْفِدَاءَ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ غَيْرَ مُوَافِقٍ لِحُكْمِ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ عَاتَبَهُمْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ نَقَلَةُ السِّيَرِ ورواة المغازي

أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أَخَذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَالَ لا ينفلت منهم إلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ

وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونُ حَظَرَ أَخْذَ الْأَسْرَى وَمُفَادَاتِهِمْ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى مَا كان لنبى أن يكون له أسرى مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم مِنْهُمْ الْفِدَاءَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا وَهُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَتْ الْمُعَاتَبَةُ مِنْ اللَّه لِلْمُسْلِمِينَ وَمُمْتَنِعٌ وُقُوعُ الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ قِيلَ لَهُ إنَّ أَخْذَ الْغَنَائِمِ وَالْأَسْرَى وَقَعَ بَدِيًّا عَلَى وَجْهِ الْحَظْرِ فَلَمْ يَمْلِكُوا مَا أَخَذُوا ثُمَّ إنَّ اللَّه تَعَالَى أَبَاحَهَا لَهُمْ وَمَلَّكَهُمْ إيَّاهَا فَالْأَخْذُ المباح ثانيا هو غير محظور أَوَّلًا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخذتم عذاب عظيم فَرَوَى أَبُو زُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سبقت لهم الرحمة قبل أن يعلموا الْمَعْصِيَةَ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ رِوَايَةً وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا ذَلِكَ مَعْصِيَةً صَغِيرَةً وَقَدْ وَعَدَ اللَّه غُفْرَانَهَا بِاجْتِنَابِهِمْ الْكَبَائِرَ وَكَتَبَ لَهُمْ ذَلِكَ قَبْلَ عَمَلِهِمْ لِلْمَعْصِيَةِ الصَّغِيرَةِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا وَمُجَاهِدٍ أَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ مُطْعِمًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْغَنِيمَةَ فَفَعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَكَمَ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُ سَتَحِلُّ لَهُمْ الْغَنِيمَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُزِيلُ عَنْهُمْ حُكْمَ الْحَظْرِ قَبْلَ إحْلَالِهَا وَلَا يُخَفِّفُ مِنْ عِقَابِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ أَنَّ إزَالَةَ الْعِقَابِ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَعْلُومِهِ إبَاحَةُ الْغَنَائِمِ لَهُمْ بَعْدَهُ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَا سَبَقَ مِنْ اللَّه أَنْ لَا يُعَذِّبَ قَوْمًا إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِيهَا وَهَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>