لِأَنَّهُمْ هَاجَرُوا وَتَرَكُوا أَقْرِبَاءَهُمْ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه آيَةَ الْمَوَارِيثِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَنَّ التَّوَارُثَ كَانَ ثَابِتًا بَيْنَهُمْ بِالْهِجْرَةِ والأخوة التي آخى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بَيْنَهُمْ دُونَ الْأَرْحَامِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض قَدْ أُرِيدَ بِهِ إيجَابُ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ وَأَنَّ قَوْلَهُ مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يهاجروا قَدْ نَفَى إثْبَاتَ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ بِنَفْيِهِ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الْمُوَالَاةِ يُوجِبُ التَّوَارُثَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ جَمِيعِهِمْ عَلَى حَسَبِ وُجُودِ الْأَسْبَابِ الْمُؤَكِّدَة لَهُ كَمَا أَنَّ النَّسَبَ سَبَبٌ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْمِيرَاثُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ذَوِي الْأَنْسَابِ أَوْلَى بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِتَأَكُّدِ سَبَبِهِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سلطانا مُوجِبٌ لِإِثْبَاتِ الْقَوَدِ لِسَائِرِ وَرَثَتِهِ وَأَنَّ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِتَسَاوِيهِمْ فِي كَوْنِهِمْ مِنْ مُسْتَحِقِّي مِيرَاثِهِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي النِّكَاحِ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْمِيرَاثِ وَأَنَّ
قَوْلَهُ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ
مُثْبِتٌ لِلْوِلَايَةِ لِجَمِيعِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ عَلَى حَسَبِ الْقُرْبِ وَتَأْكِيدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لِلْأُمِّ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبٌ عَلَى مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ إذْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فِي الْمِيرَاثِ وَقَدْ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فَرْضًا حِينَ هَاجَرَ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم إلى أن فتح النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم مَكَّةَ
فَقَالَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ
فَنُسِخَ التَّوَارُثُ بِالْهِجْرَةِ بِسُقُوطِ فَرْضِ الهجرة وأثبت التوارث بالأنساب بقوله تعالى وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ قال الحسن كان المسلمون بتوارثون بِالْهِجْرَةِ حَتَّى كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فَتَوَارَثُوا بِالْأَرْحَامِ وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ بَعْدَ الْفَتْحِ وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ ابن أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ إلَى اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّونَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَنْ يفتنوا عنه وقد أذاع اللَّه الإسلام وافشاء فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إيجَابَ التَّوَارُثِ بِالْهِجْرَةِ وَالْمُؤَاخَاةَ دون الأنساب وقطع الميراث بين المهاجرين وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَاقْتَضَى أَيْضًا إيجَابَ نُصْرَةِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إذَا اسْتَنْصَرَ الْمُهَاجِرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاق وَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute