للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الكاذبين وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه وقوله فأذن لمن شئت منهم فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا فَلَا تَكُونُ إحْدَى الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى قَوْله تَعَالَى لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر- إلى قوله- بأموالهم الْآيَةَ يَعْنِي لَا يَسْتَأْذِنُك الْمُؤْمِنُونَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجِهَادِ لَأَنْ لَا يُجَاهِدُوا وَأَضْمَرَ لَا في قوله أن يجاهدوا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الاستيذان فِي التَّخَلُّفِ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِمْ وَيَدُلُّ عَلَى صحة تأويل قوله أن يجاهدوا أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَرَاهَةِ أَنْ يُجَاهِدُوا وَهُوَ يئول إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ إضْمَارَ لَا فِيهِ وَإِضْمَارَ الْكَرَاهَةِ سَوَاءٌ وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ فَرْضِ الْجِهَادِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فذمنهم عَلَى الِاسْتِئْذَانِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ بِهِمَا وَالْجِهَادُ بِالْمَالِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا إنْفَاقُ الْمَالِ فِي إعْدَادِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْآلَةِ وَالرَّاحِلَةِ وَالزَّادِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَالثَّانِي إنْفَاقُ الْمَالِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا يُجَاهِدُ وَمَعُونَتُهُ بِالزَّادِ وَالْعُدَّةِ وَنَحْوِهَا وَالْجِهَادُ بِالنَّفْسِ عَلَى ضُرُوبٍ مِنْهَا الْخُرُوجُ بِنَفْسِهِ وَمُبَاشَرَةُ الْقِتَالِ وَمِنْهَا بَيَانُ مَا افْتَرَضَ اللَّه مِنْ الْجِهَادِ وَذِكْرُ الثواب الجزيل لمن قال بِهِ وَالْعِقَابِ لِمَنْ قَعَدَ عَنْهُ وَمِنْهَا التَّحْرِيضُ وَالْأَمْرُ وَمِنْهَا الْإِخْبَارُ بِعَوْرَاتِ الْعَدُوِّ وَمَا يَعْلَمُهُ مِنْ مَكَايِدِ الْحَرْبِ وَسَدَادِ الرَّأْيِ وَإِرْشَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْأَوْلَى وَالْأَصْلَحِ فِي أَمْرِ الْحُرُوبِ كَمَا

قال الحباب بْنُ الْمُنْذِرِ حِينَ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه أَهَذَا رَأْيٌ رَأَيْته أَمْ وَحْيٌ فَقَالَ بَلْ رَأْيٌ رَأَيْته قَالَ فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَنْزِلَ عَلَى الماء وتجعله خلف ظهرك وتعور الْآبَارَ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ الْعَدُوِّ

فَفَعَلَ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ يُقَوِّي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَيُوهِنُ أَمْرَ الْعَدُوِّ فَإِنْ قِيلَ فَأَيُّ الْجِهَادَيْنِ أَفْضَلُ أَجِهَادُ النَّفْسِ وَالْمَالِ أَمْ جِهَادُ الْعِلْمِ قِيلَ لَهُ الْجِهَادُ بِالسَّيْفِ مَبْنِيٌّ عَلَى جِهَادِ الْعِلْمِ وَفُرِّعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَعُدُّوا فِي جِهَادِ السَّيْفِ مَا يُوجِبُهُ الْعِلْمُ فَجِهَادُ الْعِلْمِ أَصْلٌ وَجِهَادُ النفس فرع والأصل أولى بالتفضيل عن الْفَرْعِ فَإِنْ قِيلَ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ أَمْ جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ قِيلَ لَهُ إذَا خِيفَ مَعَرَّةُ الْعَدُوِّ وَإِقْدَامُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ بِإِزَائِهِ مَنْ يَدْفَعُهُ فَقَدْ تَعَيَّنَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَالِاشْتِغَالُ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِالْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ لِأَنَّ ضَرَرَ الْعَدُوِّ إذا وقع

<<  <  ج: ص:  >  >>