للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم كان يستعذ باللَّه مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ

وَإِنَّمَا أَرَادَ إذَا لَزِمَهُ الدَّيْنُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُجَاهِدٌ أَرَادَ مَنْ ذَهَبَ مَالُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَقَلُّ مِنْ مَالِهِ بِمِقْدَارِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْغَارِمِينَ الْمُرَادِينَ بِالْآيَةِ

وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ سُمَيْطٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ وَلَا تَصْلُحُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْغُرْمِ الدَّيْنُ قَوْله تعالى وفي سبيل الله

رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا فِي سَبِيلِ اللَّه أَوْ ابْنِ السَّبِيلِ أَوْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَى لَهُ

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قَائِلُونَ هِيَ لِلْمُجَاهِدِينَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ وَالْفُقَرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْطَى مِنْهَا إلَّا الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَلَا يُعْطَى الْأَغْنِيَاءُ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فإن أعطوا ملكوها وأجرأ الْمُعْطِي وَإِنْ لَمْ يَصْرِفْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّ شَرْطَهَا تَمْلِيكُهُ وَقَدْ حَصَلَ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَأَجْزَأَ

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك

فَلَمْ يَمْنَعْ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَحْمُولَ عَلَى الْفَرَسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ بَيْعِهَا وَإِنْ أَعْطَى حَاجًّا مُنْقَطِعًا بِهِ أَجْزَأَ أَيْضًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاجْعَلْهُ فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْحَاجِّ الْمُنْقَطِعِ بِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ أُرِيدَ بِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ الْحَاجُّ الْمُنْقَطِعُ بِهِ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَوْصَى بثلث ماله في سبيل الله أنه الفقراء الْغَزَاةِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَغْنِيَاءِ الْغَزَاةِ أَخْذَ الصَّدَقَةِ

بِقَوْلِهِ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ إلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

قِيلَ لَهُ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ غَنِيًّا فِي أَهْلِهِ وبلده بدار يسكنها وأثاث يتأنث بِهِ فِي بَيْتِهِ وَخَادِمٍ يَخْدُمُهُ وَفَرَسٍ يَرْكَبُهُ وَلَهُ فَضْلُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ قِيمَتُهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ فَإِذَا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ في سفر غزو واحتاج مِنْ آلَاتِ السَّفَرِ وَالسِّلَاحِ وَالْعُدَّةِ إلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي حَالِ إقَامَتِهِ فَيُنْفِقُ الْفَضْلَ عَنْ أَثَاثِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ في مبصره عَلَى السِّلَاحِ وَالْآلَةِ وَالْعُدَّةِ فَتَجُوزُ لَهُ الصَّدَقَةُ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ من دابة الأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>