خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا حَاظِرٌ وَالْآخَرُ مُبِيحٌ فَالْحَظْرُ أَوْلَى فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ أَبَاحَهُ فِي وَقْتٍ ثُمَّ حَظَرَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ الْإِبَاحَةَ وَالْحَظْرَ طَارِئٌ عَلَيْهَا لَا مَحَالَةَ وَلَا نَعْلَمُ إبَاحَةً بَعْدَ الْحَظْرِ فَحُكْمُ الْحَظْرِ ثَابِتٌ لَا مَحَالَةَ إذْ لَمْ تَثْبُتْ إبَاحَةٌ بَعْدَ الْحَظْرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ هَذَا الْمَعْنَى وَذَلِكَ لِأَنَّ
ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ خُسِفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ العصر ونحن بمكة سنة ثلاث عشر وَمِائَةٍ وَبِهَا يَوْمئِذٍ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ابْنُ شِهَابٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حزم وقتادة وعمر وبن شعيب قال فقمنا قياما بعد العصر ندعوا الله فقلت لأيوب بن موسى القرشي مالهم لَا يُصَلُّونَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّهْيُ قَدْ جَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَنْ لَا تُصَلِّيَ فَلِذَلِكَ لَا يُصَلُّونَ وَإِنَّ النَّهْيَ يَقْطَعُ الْأَمْرَ
فَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَتَعَارَضَ خَبَرَا جَابِرٍ فَيَسْقُطَا كَأَنَّهُمَا لَمْ يَرِدَا وَقَدْ رَوَى إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ قَالَ كُنَّا نَأْكُلُ لُحُومَ الْخَيْلِ قَالَ عَطَاءٌ فَقُلْت لَهُ فَالْبِغَالُ قَالَ أَمَّا الْبِغَالُ فَلَا وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِهِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِهِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْحَظْرِ
وَقَدْ رَوَى بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ مَا عَلِمْنَا الْخَيْلَ أُكِلَتْ إلَّا فِي حِصَارٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِلُحُومِ الْخَيْلِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عن الأسود بن زيد وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَشُرَيْحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُطْلِقُ فِيهِ التَّحْرِيمَ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ كَلَحْمِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَإِنَّمَا يَكْرَهُهُ لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ الْحَاظِرَةِ وَالْمُبِيحَةِ فِيهِ وَيَحْتَجُّ لَهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّهُ ذُو حَافِرٍ أَهْلِيٍّ فَأَشْبَهَ الْحِمَارَ وَالْبَغْلَ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ لَحْمَ الْبَغْلِ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ مِنْ الْفَرَسِ فَلَوْ كَانَتْ أُمُّهُ حَلَالًا لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ أُمِّهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ إذْ هُوَ كَبَعْضِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ حِمَارَةً أَهْلِيَّةً لَوْ وَلَدَتْ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَدُهَا وَلَوْ وَلَدَتْ حِمَارَةٌ وَحْشِيَّةٌ مِنْ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ أُكِلَ وَلَدُهَا فَكَانَ الْوَلَدُ تَابِعًا لِأُمِّهِ دُونَ أَبِيهِ فَلَمَّا كَانَ لَحْمُ الْبَغْلِ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ فَرَسًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أن الخيل غير مأكولة قوله تعالى وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها يَحْتَجُّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute