يحل بالطواف فعله قَبْلَ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ وَأَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ قَبْلَ تَمَامِهِ جَائِزٌ بِأَنْ يَطُوفَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَيَصِيرَ حَجُّهُ عُمْرَةً وَقَدْ ثَبَتَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ نسخه وهذا معنى ما أراده عمر ابن الْخَطَّابِ بِقَوْلِهِ مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأَضْرِبُ عَلَيْهِمَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَمُتْعَةُ الْحَجِّ وَذَهَبَ فِيهِ إلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ تَوْقِيفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ عَلَى أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ لَمْ يَجُزْ تَأْوِيلُ قَوْله تَعَالَى وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ عَلَيْهِ فَثَبَتَ بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ إذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ تَأْخِيرِهِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يَزُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْبَيْتَ إلَى يَوْمِ النَّفْرِ إلَّا رِجَالًا كَانَتْ مَعَهُمْ نِسَاءٌ فَتَعَجَّلُوا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَوْ خُلِّينَا وَظَاهِرَ الْآيَةِ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اتَّفَقَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى إبَاحَةِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَخَّرْنَاهُ وَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَخَّرَهُ إلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَتْ ثُمَّ تَقْتَضِي التَّرَاخِي وَجَبَ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ إلَى أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ الطَّائِفُ قِيلَ لَهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي إيجَابَ تَأْخِيرِهِ إذَا حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ وَاجِبًا وَكَانَ فِعْلُهُ وَاجِبًا لَا مَحَالَةَ اقْتَضَى ذَلِكَ لُزُومَ فِعْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أُمِرَ فِيهِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ فَاسْتِدْلَالُكَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهِ أَبَدًا غَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ كَوْنِ ثُمَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرَ مُرَادٍ بِهَا حَقِيقَةُ مَعْنَاهَا مِنْ وُجُوبِ فِعْلِهِ عَلَى التَّرَاخِي وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِأَنَّ قوله تعالى ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قَدْ اقْتَضَى فِعْلَ الْحَلْقِ عَلَى الْفَوْرِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَبَاحَ تَأْخِيرَهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يُبِحْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ النَّفْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ النَّحْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute