الْقِصَاصُ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ إلَّا وَهُمْ قَاتِلُونَ فَاقْتَضَى وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَى كُلِّ قَاتِلٍ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِشُمُولِ لَفْظِ الْقَتْلَى لِلْجَمِيعِ وَلَيْسَ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ فِي الْقَتْلَى بِمُوجِبٍ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلَى مُؤْمِنِينَ لِأَنَّ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ عُمُومِ اللَّفْظِ مَا لَمْ تَقُمْ دَلَالَةُ الْخُصُوصِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُوجِبُ خُصُوصَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْقَتْلَى دُون بَعْضٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الْحُكْمِ فِي الْقَتْلَى وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا فِي نَسَقِ الْآيَةِ [فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ] وَالْكَافِرُ لَا يَكُونُ أَخًا لِلْمُسْلِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ فِي قَتْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالثَّانِي قَوْلُهُ [الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى] قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ الْخِطَابِ قَدْ شَمِلَ الْجَمِيعَ فَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ الْخُصُوصِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ عُمُومِ اللَّفْظِ وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى [وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ] وَهُوَ عُمُومٌ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَمَا دُونَهَا ثُمَّ عُطِفَ قَوْله تَعَالَى [فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ] وقَوْله تَعَالَى [وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ] وهذا الحكم خَاصٌّ فِي الْمُطَلِّقِ لِمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَخْصِيصَ عُمُومِ اللَّفْظِ فِي إيجَابِ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ مِنْ الْعِدَّةِ عَلَى جَمِيعِهِنَّ وَنَظَائِرُ هذا كثير فِي الْقُرْآنِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يُرِيدَ الْإِخْوَةَ مِنْ طَرِيقِ النَّسَبِ لَا مِنْ جِهَةِ الدِّينِ كقوله تعالى [وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً] وأما قوله [الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ] فَلَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ عُمُومِ اللَّفْظِ فِي الْقَتْلَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ الْخِطَابِ مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَقْصُرَهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ [الْحُرُّ بِالْحُرِّ] إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَذِكْرِ الْحَالِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهَا الْكَلَامُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنْ الْعَرَبِ قِتَالٌ وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا طَوْلٌ عَلَى الْآخَرِ فَقَالُوا لَا نَرْضَى إلَّا أَنْ نَقْتُلَ بِالْعَبْدِ مِنَّا الْحُرَّ مِنْكُمْ وَبِالْأُنْثَى مِنَّا الذَّكَرَ مِنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ] مبطلا بذلك ما أرادوه مؤكدا عَلَيْهِمْ فَرْضَ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ غَيْرَ الْقَاتِلِ فَنَهَاهُمْ اللَّهُ عن ذلك وهو مَا
رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (مِنْ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ وَرَجُلٌ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ وَرَجُلٌ أَخَذَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ)
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى [الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ] تَفْسِيرٌ لِبَعْضِ مَا انْتَظَمَهُ عُمُومُ اللَّفْظِ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَخْصِيصَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute