لِذَلِكَ وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ مَوَاضِعُ الْعِبَادَاتِ فِيهِ فَهِيَ مُتَعَبَّدَاتُ الْحَجِّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْسَكًا عِيدًا وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ مُتَعَبَّدًا فِي إرَاقَةِ الدَّمِ بِمِنًى وَغَيْرِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا وَعِكْرِمَةُ ذَبَائِحُ هُمْ ذَابِحُوهُ وَقِيلَ إنَّ الْمَنْسَكَ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَقَالَ إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ
فَجَعَلَ الصَّلَاةَ وَالذَّبْحَ جَمِيعًا نُسُكًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ النُّسُكِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ الْأَغْلَبَ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الذَّبْحُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ
وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ وَيَكُونَ الذَّبْحُ أَحَدَ مَا أُرِيدَ بِالْآيَةِ فَيُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا مَأْمُورِينَ بِالذَّبْحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَإِذْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِالذَّبْحِ سَاغَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي إيجَابِ الْأُضْحِيَّةِ لِوُقُوعِهَا عَامَّةً فِي الْمُوسِرِينَ كَالزَّكَاةِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ عَلَى الذَّبْحِ الْوَاجِبِ فِي الْحَجِّ كَانَ خَاصًّا فِي دَمِ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ إذْ كَانَا نُسُكَيْنِ فِي الْحَجِّ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الدِّمَاءِ إذْ كَانَتْ سَائِرُ الدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى جِهَةِ جُبْرَانُ نَقْصٍ وَجِنَايَةٍ فَلَا يَكُونُ إيجَابُهُ عَلَى وَجْهِ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ بِهِ وقَوْله تَعَالَى جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ ابْتِدَاءَ إيجَابِ الْعِبَادَةِ بِهِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ فَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ قَالَ رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَا يُضَحِّيَانِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ كَانَ ابن عباس يبعثني يوم الأضحى درهمين أَشْتَرِي لَهُ لَحْمًا وَيَقُولُ مَنْ لَقِيت فَقُلْ هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَيْسَتْ بِحَتْمٍ وَلَكِنْ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ إنِّي لَأَدَعُ الْأَضْحَى وَأَنَا مُوسِرٌ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى مُسَافِرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَانُوا إذَا شَهِدُوا ضَحَّوْا وَإِذَا سَافَرُوا لَمْ يُضَحُّوا وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْيَسَارِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ وَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَحَدُّ الْيَسَارِ فِي ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يوسف مثل ذلك وروى عنه أنها لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهِيَ سُنَّةٌ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ أُضْحِيَّةٌ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute