بِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ عِنْدَ إظْهَارِ التَّوْبَةِ أَنْ لَا تَكُونَ مَقْبُولَةً فِي ظَاهِرِ الْحَالِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّا لَا نَقِفُ عَلَى حَقِيقَةِ تَوْبَتِهِ فَكَانَ جَائِزًا أَنْ يَتَعَبَّدَنَا بِأَنْ لَا نُصَدِّقَهُ عَلَى تَوْبَتِهِ وَأَنْ نتركه على الجملة لا نَتَوَلَّاهُ عَلَى حَسَبِ مَا نَتَوَلَّى سَائِرَ أَهْلِ التَّوْبَةِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وُرُودُ الْعِبَادَةِ بِهِ أَفَادَتْنَا الْآيَةُ قَبُولَ تَوْبَتِهِ وَوُجُوبَ مُوَالَاتِهِ وَتَصْدِيقِهِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ تَوْبَتِهِ فَإِنْ قيل لما اتفقا عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ تُقْبَلُ شهادته إذ أَسْلَمَ وَتَابَ دَلَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إلَى بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ إذْ كَانَ الذِّمِّيُّ مُرَادًا بِالْآيَةِ وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُ بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ مَوْقُوفًا عَلَى التَّوْبَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا رَفَعَتْ التَّوْبَةُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِ كَانَ الْمُسْلِمُ فِي حُكْمِهِ لِوُجُودِ التَّوْبَةِ مِنْهُ قِيلَ لَهُ لَيْسَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا ظَنَنْت وَذَلِكَ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْآيَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا اقْتَضَتْ بُطْلَانَ شَهَادَةِ مَنْ جُلِدَ وَحُكِمَ بِفِسْقِهِ مِنْ جِهَةِ الْقَذْفِ وَالذِّمِّيُّ قَدْ تَقَدَّمَتْ لَهُ سِمَةُ الْفِسْقِ فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ هَذِهِ السِّمَةَ بِالْجَلْدِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْآيَةِ وَإِنَّمَا جَلَدْنَاهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَحْصُلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى بُطْلَانِ شَهَادَتِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ بِالْجَلْدِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ كُفْرِهِ فَأَجَزْنَاهَا كَمَا نُجِيزُ شَهَادَةَ سَائِرِ الْكُفَّارِ إذَا أَسْلَمُوا فَإِنْ قِيلَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ الْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ مرادا بالآية إذ لم يتحدث سِمَةَ الْفِسْقِ بِوُقُوعِ الْحَدِّ بِهِ قِيلَ لَهُ هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي حُكْمِهَا بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ وَإِنَّمَا أَجَازَ أَصْحَابُنَا شَهَادَةَ الذِّمِّيِّ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَتَوْبَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَدَّ فِي الْقَذْفِ يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عَدَالَةُ الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ عَدَالَةُ الْفِعْلِ وَالذِّمِّيُّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حِينَ حُدَّ فَيَكُونُ وُقُوعُ الْحَدِّ بِهِ مُبْطِلًا
لِعَدَالَةِ إسْلَامِهِ وَإِنَّمَا بَطَلَتْ عَدَالَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ فَإِذَا أَسْلَمَ فَأَحْدَثَ تَوْبَةً فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ عَدَالَةٌ مِنْ جِهَةِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ طَرِيقِ الْفِعْلِ أَيْضًا فالتوبة فَلِذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَإِنَّ الْحَدَّ قَدْ أَسْقَطَ عَدَالَتَهُ مِنْ طَرِيقِ الدِّينِ وَلَمْ يتحدث بِالتَّوْبَةِ عَدَالَةً أُخْرَى مِنْ جِهَةِ الدِّينِ إذْ لم يتحدث دِينًا بِتَوْبَتِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْدَثَ عَدَالَةً مِنْ طَرِيقِ الْفِعْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إذْ كَانَ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وُجُودَ الْعَدَالَةِ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ وَالْفِعْلِ جَمِيعًا فَإِنْ قِيلَ لَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ إذَا تَابَ قَبْلَ وُقُوعِ الْحَدِّ بِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إلَى الشَّهَادَةِ كَرُجُوعِهِ إلَى التَّفْسِيقِ فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِقَبُولِهَا بَعْدَ الْحَدِّ كَهُوَ قَبْلَهُ قِيلَ لَهُ إنَّ شَهَادَتَهُ لَمْ تَبْطُلْ بِالْقَذْفِ قَبْلَ وُقُوعِ الْحَدِّ بِهِ وَلَا وَجَبَ الْحُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute