الله بالستور والخير فلم أر أحد يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَفِي بعض ألفاظ حديث ابن عَبَّاسٍ هَذَا وَهُوَ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عن عمرو بن أبى عمر وفلما أَتَى اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَاِتَّخَذُوا السُّتُورَ وَالْحِجَابَ رَأَى النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَفَاهُمْ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ فَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِسَبَبٍ فَلَمَّا زَالَ السَّبَبُ زَالَ الْحُكْمُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْآيَةَ مَنْسُوخَةً وَأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ السَّبَبِ لَوْ عَادَ لَعَادَ الْحُكْمُ وَقَالَ الشُّعَبِيُّ أَيْضًا إنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَهَذَا نَحْوُ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمِيرَاثِ بِالْمُوَالَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَوْجَبَ التَّوَارُثَ بِالنَّسَبِ جَعَلَ ذَوِي الْأَنْسَابِ أَوْلَى مِنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَمَتَى فُقِدَ النَّسَبُ عَادَ مِيرَاثُ الْمُعَاقَدَةِ وَالْوَلَاءِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ أبناءهم الَّذِينَ عَقَلُوا وَلَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي يَسْتَأْذِنُونَ عَلَى آبَائِهِمْ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ يَقِيلُونَ وَيَخْلُونَ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الْعَتَمَةُ فَإِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ اسْتَأْذَنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إخْوَانُهُمْ إذَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً لَا يَدْخُلُونَ عَلَى آبَائِهِمْ إلَّا بِإِذْنٍ سَاعَةَ يَدْخُلُونَ أَيُّ سَاعَةٍ كَانَتْ وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قَالَ عَبِيدُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَالَ مِنْ أَحْرَارِكُمْ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا التَّأْوِيلَ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْبَالِغَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ الْبَالِغِ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى مَوْلَاتِهِ فَكَيْفَ يُجْمَعُ إلَى الصِّبْيَانِ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ قَالَ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعَبِيدَ الصِّغَارَ وَالْإِمَاءَ وَصِغَارَنَا الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مما ملكت أيمانكم وقال سعيد ابن جُبَيْرٍ وَالشُّعَبِيُّ هَذَا مِمَّا تَهَاوَنَ بِهِ النَّاسُ وَمَا نُسِخَتْ وَقَالَ أَبُو قلابة لَيْسَ بِوَاجِبٍ وهو كقوله تعالى وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَسْتَأْذِنُ عِنْدَ كُلِّ عَوْرَةٍ ثُمَّ هُوَ طَوَّافٌ بَعْدَهَا يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَأْذِنُ عِنْدَ أَوْقَاتِ الْخَلْوَةِ وَالتَّفَضُّلِ فِي الثِّيَابِ وَطَرْحِهَا وَهُوَ طَوَّافٌ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا أَوْقَاتُ السَّتْرِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْخَادِمُ وَالْغُلَامُ
وَالصَّبِيُّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الدخول كَمَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِرَّةِ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ
وَالطَّوَّافَاتِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي قَالَ نَعَمْ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مسعود.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute