للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ تَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِمَاءٍ أَكُنْت شَارِبَهُ فَدَلَّ تَشْبِيهُ الصَّدَقَةِ حِينَ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ بِغُسَالَةِ أَيْدِي النَّاسِ أَنَّ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الْمَاءَ إذَا أُزِيلَ بِهِ الْحَدَثُ مُشْبِهٌ لِلْمَاءِ الَّذِي أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ مِنْ حَيْثُ اسْتَبَاحَ الصَّلَاةَ بِهِمَا فَلَمَّا لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الَّذِي أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ كَذَلِكَ مَا أُزِيلَ بِهِ الْحَدَثُ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ قَدْ أَكْسَبَهُ إضَافَةً سَلَبَهُ بِهَا إطْلَاقَ الِاسْمِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي امْتَنَعَ فِيهِ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ بِمُخَالَطَةِ غَيْرِهِ لَهُ وَالْمُسْتَعْمَلُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْحُكْمِ فِي زَوَالِ الْحَدَثِ أَوْ حُصُولِ قُرْبَةٍ فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِلتَّبَرُّدِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ جَوَازَ اسْتِعْمَالِهِ لِلطَّهَارَةِ كَذَلِكَ إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلطَّهَارَةِ قِيلَ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِلتَّبَرُّدِ لَمْ يَمْنَعْ إطْلَاقَ الِاسْمِ فِيهِ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فَهُوَ كَاسْتِعْمَالِهِ فِي غَسْلِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً وَقَوْلِهِ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ قَالَ فَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْوُضُوءِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا وَلَمْ تُجَاوِرْهُ نَجَاسَةٌ وَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْحَالِ الأولى والثاني أن قوله طَهُوراً يَقْتَضِي جَوَازَ التَّطْهِيرِ بِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَيُقَالُ لَهُ إنَّ بَقَاءَهُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى بَعْدَ الطَّهَارَةِ هُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَمَا ذَكَرْت مِنْ الْعُمُومِ فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فَيَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ فَأَمَّا مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ مُقَيَّدًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعُمُومُ وَأَمَّا قَوْلُك إنَّ كَوْنَهُ طَهُورًا يَقْتَضِي جَوَازَ الطَّهَارَةِ بِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُذْكَرُ عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ لَهُ بِالطَّهَارَةِ أَوْ التَّطْهِيرِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى التَّكْرَارِ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ ضَرُوبٌ بِالسَّيْفِ وَيُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْوَصْفِ بِالضَّرْبِ وَلَيْسَ الْمُقْتَضَى فِيهِ تَكْرَارَ الْفِعْلِ وَيُقَالُ رَجُلٌ أَكُولٌ إذَا كَانَ يأكل كثيرا وإن كان أكله فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُرَادُ بِهِ تَكْرَارُ الْأَكْلِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أَيْضًا وقَوْله تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَاءَ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ أَصْلَ الْحَيَوَانِ فِي قَوْلِهِ وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ وَقَوْلُهُ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ النُّطْفَةَ الَّتِي خَلَقَ مِنْهَا وَلَدَ آدَمَ وَقَوْلُهُ فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً قَالَ طَاوُسٌ الرَّضَاعَةُ مِنْ الصِّهْرِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ رِوَايَةً النَّسَبُ الرَّضَاعُ وَالصِّهْرُ الْخُتُونَةُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ النَّسَبُ الَّذِي لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَالصِّهْرُ النَّسَبُ الَّذِي يَحِلُّ نِكَاحُهُ كَبَنَاتِ الْعَمِّ وَقِيلَ إنَّ النَّسَبَ مَا رَجَعَ إلَى وِلَادَةٍ قَرِيبَةٍ وَالصِّهْرَ خَلْطَةٌ تُشْبِهُ الْقَرَابَةَ وَقَالَ الضَّحَّاكُ النَّسَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>