(فَصْلٌ) وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ تَأْدِيبًا لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَيُّوبُ لِيَحْلِفَ عَلَيْهِ وَيَضْرِبَهَا وَلَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِضَرْبِهَا بَعْدَ حَلِفِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَأَبَاحَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ إذَا كَانَتْ نَاشِزًا بِقَوْلِهِ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ- إلى قوله- وَاضْرِبُوهُنَّ وَقَدْ دَلَّتْ قِصَّةُ أَيُّوبَ عَلَى أَنَّ لَهُ ضَرْبَهَا تَأْدِيبًا لِغَيْرِ نُشُوزٍ وقَوْله تَعَالَى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ فَمَا رُوِيَ مِنْ الْقِصَّةِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ دَلَالَةِ قِصَّةِ أَيُّوبَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا لَطَمَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَهْلُهَا الْقِصَاصَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْلِفَ وَلَا يَسْتَثْنِيَ لِأَنَّ أَيُّوبَ حَلَفَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ وَنَظِيرُهُ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ الْأَشْعَرِيِّينَ حِينَ اسْتَحْمَلُوهُ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَلَمْ يَسْتَثْنِ ثُمَّ حَمَلَهُمْ وَقَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ
وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَجِبْ كَفَّارَةٌ لَتَرَكَ أَيُّوبَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَضْرِبَهَا بِالضِّغْثِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا فَعَلَ مَا هُوَ خَيْرٌ
وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا فَلِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَذَلِكَ كَفَّارَتُهُ وَفِيهَا
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ يُجَاوَزُ بِهِ الْحَدُّ لِأَنَّ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَهَا مِائَةً فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ
وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَهِيَ عَلَى الْمُهْلَةِ وَلَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَضْرِبْ امْرَأَتَهُ فِي فَوْرِ صِحَّتِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى ضَرْبِ عَبْدِهِ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ إلَّا أَنْ يضربه بيده لقوله وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِيمَنْ لَا يَتَوَلَّى الضَّرْبَ بِيَدِهِ إنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِهِ لَا يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَرَاخِيًا عَنْهَا لَأُمِرَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالضَّرْبِ وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحِيلَةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى مَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِضَرْبِهَا بِالضِّغْثِ لِيَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْيَمِينِ وَلَا يَصِلَ إلَيْهَا كَثِيرُ ضَرَرٍ آخِرُ سُورَةِ ص.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute