عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ أَوْ تَرْكِهَا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِنَسْخِهَا فِيمَا نُسِخَتْ بِهِ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ نَسَخَتْهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْله تَعَالَى [لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ] وَقَالَ آخَرُونَ نَسَخَهَا مَا
ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) رَوَاهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عنه صلّى الله عليه وسلم قَالَ (لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ)
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ (أَلَا إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)
وَحَجَّاجَ بْنَ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ)
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ حَجَّاجٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لا يجوز لوارث وصية وهذا الْخَبَرُ الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي ذَلِكَ وَوُرُودُهُ مِنْ الْجِهَاتِ الَّتِي وصفنا هو عندنا في حيز التواتر لاستفاضته وَشُهْرَتِهِ فِي الْأُمَّةِ وَتَلَقَّيْ الْفُقَهَاءُ إيَّاهُ بِالْقَبُولِ وَاسْتِعْمَالِهِمْ لَهُ وَجَائِزٌ عِنْدَنَا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمِثْلِهِ إذْ كَانَ فِي حَيِّزِ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ مِنْ الْآيَاتِ فَأَمَّا إيجَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمِيرَاثَ لِلْوَرَثَةِ فَغَيْرُ مُوجِبٍ نَسْخَ الْوَصِيَّةِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ مَعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ صلّى الله عليه وسلم قَدْ أَجَازَهَا لِلْوَارِثِ إذَا أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ فَلَمْ يَكُنْ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لِوَاحِدٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا آيَةُ الْمِيرَاثِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا جَعَلَ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَمَا الَّذِي كَانَ يَمْنَعُ أَنْ يُعْطَى قِسْطَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ يُعْطَى الْمِيرَاثَ بَعْدَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَاب الرِّسَالَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمَوَارِيثُ نَاسِخَةً لِلْوَصِيَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةٌ مَعَهَا فلما
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَنَّهُ قَالَ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ
اسْتَدْلَلْنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَوَارِيثَ نَاسِخَةٌ لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مَعَ الْخَبَرِ الْمُنْقَطِعِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ أَعْطَى الْقَوْلَ بِاحْتِمَالِ اجْتِمَاعِ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِذًا لَيْسَ فِي نُزُولِ آيَةِ الْمِيرَاثِ مَا يُوجِبُ نَسْخَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَلَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ مَنْسُوخَةً بِالْمِيرَاثِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا وَالْخَبَرُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ وَلَوْ وَرَدَ مِنْ جِهَةِ الِاتِّصَالِ وَالتَّوَاتُرِ لَمَا قَضَى بِهِ عَلَى حُكْمِ الْآيَةِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ نَسْخَ