مَعْصِيَةٍ أَوْ كُفْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ مُرِيدُهُ مِنْهُ وَقَدْ نَفَى اللَّهُ بِهَذَا مَا نَسَبُوهُ إلَيْهِ مِنْ إرَادَةِ الْمَعَاصِي وَيَدُلُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِمْ الْيُسْرَ لِيَحْمَدُوهُ وَيَشْكُرُوهُ وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا لِيَسْتَحِقُّوا عِقَابَهُ لِأَنَّ مُرِيدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُرِيدٍ لِلْيُسْرِ بَلْ هُوَ مُرِيدٌ لِلْعُسْرِ وَلِمَا لَا يَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ وَالْحَمْدَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَهْلِ الْجَبْرِ وَأَنَّهُمْ وَصَفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ] قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ دَلَّ قَوْلُهُ [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ] عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ مَتَى غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَلَيْنَا إكْمَالُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَيَّ شَهْرٍ كَانَ لِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا
فَقَالَ (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ)
فَجَعَلَ إكْمَالَ الْعِدَّةِ اعْتِبَارَ الثَّلَاثِينَ عِنْدَ خَفَاءِ الْهِلَالِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا لِإِخْبَارِهِ أَنَّ الْفَرْضَ فِيهِ إكْمَالُ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ مُتَفَرِّقًا كَانَ أَوْ مُتَتَابِعًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ قَضَائِهِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ إكْمَالَ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ قَدْ يَحْصُلُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ صَامَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ فِعْلِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى الْمُهْلَةِ مَعَ حُصُولِ إكْمَالِ الْعِدَّةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْقَضَاءِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنَّا إكْمَالُ العدة وقد وجد في إيجَابِ الْفِدْيَةِ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ وَإِثْبَاتُ مَا لَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَقْصِدِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ] وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الْعَدَدِ فَالْقَائِلُ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى نُقْصَانِ الْعَدَدِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْآيَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ إذَا صَامُوا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِلرُّؤْيَةِ وَأَهْلَ بَلَدٍ آخَرَ إذَا صَامُوا لِلرُّؤْيَةِ ثَلَاثِينَ أَنَّ عَلَى الَّذِينَ صَامُوا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَنْ يَقْضُوا يَوْمًا لِقَوْلِهِ تعالى [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ] وَقَدْ حَصَلَ عِدَّةُ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ لِأَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَعَلَى الْآخَرِينَ أَنْ يُكْمِلُوهَا كَمَا كَانَ عَلَى أُولَئِكَ إكْمَالُهَا إذْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُخَصِّصْ بَعْضًا مِنْ كُلٍّ وَأَمَّا قَوْلُهُ [وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ] فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا نَظَرُوا إلَى هلال شوال أن يكبروا الله حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ عِيدِهِمْ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ]
وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute