للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكَانَتْ دَلَالَتُهُ قَائِمَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ حِينَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُفْطِرِ وَالصَّائِمِ بِمَا ذَكَرْنَا

وقوله صلّى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ

يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْم يَمْنَعُهُ مِنْ الْأَكْلِ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ كَالسَّلَامِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَشُهُودِ الْجِنَازَةِ فَلَمَّا مَنَعَهُ الْإِجَابَةَ وَقَالَ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حَظْرِ الْإِفْطَارِ فِي سَائِرِ الصِّيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَجَابِرٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِالْإِفْطَارِ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ بَأْسًا وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَّيْتَ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَالَ هُوَ التَّطَوُّعُ فَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ قِيلَ لَهُ قَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ إيجَابَ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَجَابِرٍ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا فِيهِ إبَاحَةُ الْإِفْطَارِ وَحَدِيثُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ يَظُنُّ أَنَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا وَجَائِزٌ أَنْ يَقْطَعَهَا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ فإن قيل قوله تعالى [فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ] يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ قِيلَ له إنما ذلك تخيير فِي الْقِرَاءَةِ لَا فِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَالتَّخْيِيرُ فِيهَا لَا يُوجِبُ تَخْيِيرًا فِي سَائِرِ أَرْكَانِهَا فلا دلالة في ذلك حُكْمِ الرَّكَعَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْبَدَلُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْقُرَبِ وَمِنْ دَلَالَاتِ قَوْله تَعَالَى [ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ] عَلَى الْأَحْكَامِ أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ بِدَلَالَةِ ظَاهِرِ قَوْلِهِ [ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ سَافَرَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ وَبَيْنَ مَنْ أَقَامَ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا أَوْ أَكَلَ قبل قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لقوله [ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ] وَهَذَا لَمْ يُتِمَّ الصِّيَامَ لِأَنَّ الصِّيَامَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَهُوَ لَمْ يُمْسِكْ فَلَيْسَ هُوَ إذًا صَائِمٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ السلف في ذلك فقال مجاهد وجابر ابن زَيْدٍ وَالْحَكَمُ إنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ هَذَا فِي الْمُتَسَحِّرِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ فَأَفْطَرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَغِبْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَسَحِّرِ وَبَيْنَ مَنْ أَكَلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى ظَنٍّ مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ [حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ] فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فَالْأَكْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>