يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ وَلَا أَنْ يَعْتَمِرَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ لِإِيجَابِ الْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى [وَافْعَلُوا الْخَيْرَ] لِأَنَّهَا خَيْرٌ فَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي إيجَابَ جَمِيعِ الْخَيْرِ وَهَذَا يَسْقُطُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُحْتَاجُ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ فِعْلَ الْعُمْرَةِ مَعَ اعتقاد وجوبها خيرا لِأَنَّ مَنْ لَا يَرَاهَا وَاجِبَةً فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَفْعَلَهَا عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَلَوْ فَعَلَهَا عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَيْرًا كَمَنْ صَلَّى تَطَوُّعًا وَاعْتَقَدَ فِيهِ الْفَرْضَ وَآخَرُ وهو أن قوله [وَافْعَلُوا الْخَيْرَ] لَفْظٌ مُجْمَلٌ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمُجْمَلِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُهُ بِوُرُودِ اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَهَذِهِ كُلُّهَا فُرُوضٌ مُجْمَلَةٌ وَمَتَى انْتَظَمَ اللَّفْظُ مَا هُوَ مُجْمَلٌ فَهُوَ مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ إلَى دَلِيلٍ مِنْ غَيْرِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْخَيْرَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَفْظُ جِنْسٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِغْرَاقُهُ فَيَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَقَوْلِكَ إنْ شَرِبْتُ الْمَاءَ وَتَزَوَّجْتُ النِّسَاءَ فَإِذَا فَعَلَ أَدْنَى مَا يُسَمَّى بِهِ فَقَدْ قَضَى عُهْدَةَ اللَّفْظِ وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمْنَا مَعَ وُرُودِ اللَّفْظِ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَعْضُ لِتَعَذُّرِ اسْتِيعَابِ الْكُلِّ فَصَارَ كَقَوْلِهِ افْعَلُوا بَعْضَ الْخَيْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ فِي لُزُومِ الْأَمْرِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهَا بِأَنَّا لَمْ نَجِدْ شَيْئًا يُتَطَوَّعُ بِهِ إلَّا وَلَهُ أَصْلٌ فِي الْفَرْضِ فَلَوْ كَانَتْ الْعُمْرَةُ تَطَوُّعًا لَكَانَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفَرْضِ فَيُقَالُ لَهُ الْعُمْرَةُ إنَّمَا هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَلِذَلِكَ أَصْلٌ فِي الْفَرْضِ فَإِنْ قِيلَ لَا يُوجَدُ طَوَافٌ وَسَعْيٌ مُفْرَدًا فَرْضًا غَيْرَ الْعُمْرَةِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ تَابِعًا قِيلَ لَهُ قَدْ يُتَطَوَّعُ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفَرْضِ مُفْرَدًا فَكَذَلِكَ العمرة يتطوع بها إذ كَانَتْ طَوَافًا وَسَعْيًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفَرْضِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَطَوُّعًا مَا جَازَ أَنْ يُعْمَلَ مَعَ عَمَلِ الْحَجِّ كَمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا فَرْضٌ وَالْأُخْرَى تطوع ويجمع بين أربعة رَكَعَاتٍ فَرْضٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فَاسِدَةٌ يَبْطُلُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ لَمَّا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجُزْ بَيْنَ صَلَاتَيْ فَرْضٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ عَمَلِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَإِنَّ الْأَرْبَعَ كُلَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ كالحج الواحد المشتمل على سائر أركانه وكالطواف الْوَاحِدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُنْتَقِضٌ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ وَقَرَنَ مَعَهَا عُمْرَةً كَانَتْ الْعُمْرَةُ تَطَوُّعًا وَالْحَجُّ فَرْضًا فَقَدْ صَحَّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَانْتَقَضَ بِذَلِكَ اسْتِدْلَالُ مَنْ اسْتَدَلَّ بِجَوَازِ جَمْعِهَا إلَى الْحَجِّ عَلَى وُجُوبِهَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ لَهَا مِيقَاتٌ كَمِيقَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute