الْإِحْصَارُ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ إذَا حَلَّ مِنْهُمَا بِالْهَدْيِ وَأَمَّا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فَلَا يَرَيَانِ الْإِحْصَارَ بِالْمَرَضِ وَيَقُولَانِ إنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ فَحَلَّ فَلَا قضاء عليه في الحج ولا في الْعُمْرَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْله تَعَالَى [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ] وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ بِالدُّخُولِ وَلَمَّا وَجَبَ بِالدُّخُولِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالنَّذْرِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ قَبْلِ إتْمَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعْذُورًا فِيهِ أَوْ غَيْرَ مَعْذُورِ لِأَنَّ مَا قَدْ وَجَبَ لَا يُسْقِطُهُ الْعُذْرُ فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ بِالْإِحْصَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ مُوجِبَاتِ الْإِحْرَامِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَعْذُورُ وَغَيْرُهُ فِي تَرْكِ لُزُومِ حُكْمِهِ وَالدَّلِيلُ عليه أن الله قَدْ عَذَرَ حَالِقَ رَأْسِهِ مِنْ أَذَى وَلَمْ يُخْلِهِ مِنْ إيجَابِ فِدْيَةٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي إحْرَامِ فَرِيضَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُحْصَرِ بِحَجَّةٍ فَرْضٌ أَوْ نَفْلٌ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءَ وَوَاجِبٌ أَيْضًا أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ إفْسَادِهِ إيَّاهُ بِالْجِمَاعِ وَخُرُوجِهِ مِنْهُ بِإِحْصَارِ كَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ إيجَابِ كَفَّارَةٍ فِي الْجِنَايَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْإِحْرَامِ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُحْصَرِ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ أَنَّ عَلَى الْمَرِيضِ الْقَضَاءَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي الْفَوَاتِ كَمَا يَلْزَمُهُ لَوْ قَصَدَ إلَى الْفَوَاتِ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ وَالْمَعْنَى فِي اسْتِوَاءِ حُكْمِ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِ الْمَعْذُورِ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالدُّخُولِ وَهُوَ مَوْجُودُ فِي الْمُحْصَرِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قِصَّةُ عَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ وَهِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجة الْوَدَاعِ وَكَانَتْ مُحْرِمَةً بِعُمْرَةٍ
فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ) ثُمَّ لَمَّا فَرَغَتْ مِنْ الْحَجِّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَقَالَ هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ
فَأَمَرَهَا بِقَضَاءِ مَا رَفَضَتْهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِلْعُذْرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْذُورَ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُحْصِرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا مُحْرِمِينَ بِالْعُمْرَةِ وَقَضَوْهَا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ سُمِّيَتْ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَزِمَتْ بِالدُّخُولِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ لَمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَلَكَانَتْ تَكُونُ حِينَئِذٍ عُمْرَةً مُبْتَدَأَةً وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ بِالْإِحْلَالِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute