للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى بَقَاءِ إحْرَامِ الْحَجِّ بِكَمَالِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ وَلَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَا يَجُوزُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْقَى بِكَمَالِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِيهِ ابْتِدَاءُ الْإِحْرَامِ وَفِي بَقَاءِ إحْرَامِهِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ابْتِدَائِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ مَحْصُورَةٌ بِأَوْقَاتٍ غَيْرِ جَائِزٍ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَوْمُ النَّحْرِ وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ لَمَا جَازَ بَقَاؤُهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَتْ مَحْصُورَةً بِوَقْتٍ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَبْقَى الْجُمُعَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا فِي وَقْتٍ لَا يَصِحُّ ابْتِدَاؤُهَا فِيهِ نَحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَتَبْطُلُ وَلَا يَبْقَى حُكْمُهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاؤُهَا فِيهِ فَكَذَلِكَ إحْرَامُ الْحَجِّ لَوْ كَانَ مَحْصُورًا بِأَشْهُرِ الْحَجِّ لَمَا صَحَّ بَقَاؤُهُ بِكَمَالِهِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُخَالِفِينَا ابْتِدَاؤُهُ فَلَمَّا صَحَّ بَقَاؤُهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ صَحَّ ابْتِدَاؤُهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي وَقْتٍ يَتَرَاخَى عَنْهُ أَفْعَالُهُ وَلَا يَصِحُّ إيقَاعُهَا فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا صَحَّ فِعْلُهُ فِيهَا لِأَنَّ مُوجِبَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ مُوَقَّتًا لَوَجَبَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ مُوجِبُ أَفْعَالِهِ كَمَا أَنَّ إحْرَامَ الصَّلَاةِ لَمَّا كَانَ مُوَقَّتًا كَانَ مُوجِبُهُ مِنْ فَرْضِهِ مُتَّصِلًا بِهِ وَلَمْ يَجُزْ تَرَاخِيهِ عَنْهُ وَيُحْتَجُّ لِذَلِكَ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ حُكْمُ الْمُتَمَتِّعِ كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُ إحْرَامِ الْحَجِّ فِي كَوْنِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُوجِبِ الْإِحْرَامَيْنِ مِنْ الْأَفْعَالِ مُتَعَلِّقٌ بِوُقُوعِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَوَجَبَ اسْتِوَاءُ حُكْمِ الْإِحْرَامَيْنِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا كَمَا اسْتَوَى حُكْمُ أَفْعَالِهِمَا فِي صِحَّةِ وُقُوعِهِمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَى تَجْوِيزَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ] وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَلَى جَوَازِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ] حُكْمُهُ مُتَعَلِّقٌ بِضَمِيرٍ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْكَلَامُ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَكُونُ أَشْهُرًا لِأَنَّ الْحَجَّ هُوَ فِعْلُ الْحَاجَّ وَالْأَشْهُرَ هِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ اللَّهِ هُوَ فِعْلَ الْعَبْدِ فَثَبَتَ أَنَّ فِيهِ ضَمِيرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِعْلَ الْحَجِّ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٌ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ نَفْيٌ لِجَوَازِ إحْرَامِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الحج وإنما يفيد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>