لهم افعلوا ما تؤمرون فَأَبَانَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَذْبَحُوا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَيُّ لَوْنٍ كَانَتْ وَعَلَى أَيِّ حَالِ كَانَتْ مِنْ ذَلُولٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَمَّا قَالُوا [ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها] نَسَخَ التَّخْيِيرَ الَّذِي كَانَ فِي ذَبْحِ أَيِّ لَوْنٍ شَاءُوا مِنْهَا وَبَقِيَ التَّخْيِيرُ فِي الصِّفَةِ الْأُخْرَى مِنْ أَمْرِهَا فَلَمَّا رَاجَعُوا نُسِخَ ذَلِكَ أَيْضًا وَأُمِرُوا بِذَبْحِهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ وَاسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهَا بَعْدَ تَغْلِيظِ الْمِحْنَةِ وَتَشْدِيدِ التَّكْلِيفِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَمْرِ النَّسْخِ دل على أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي النَّصِّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ يُوجِبُ نَسْخَهُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَوَامِر الْوَارِدَةِ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ الْقَوْمِ إنَّمَا كَانَ زِيَادَةً فِي نَصٍّ كَانَ قَدْ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ فَأَوْجَبَ نَسْخَهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْفَرْضِ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْفَرْضَ عليهم بدأ قَدْ كَانَ بَقَرَةً مُعَيَّنَةً فَنُسِخَ ذَلِكَ عَنْهُمْ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ الْفِعْلِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ مِنْ ذَلِكَ قَدْ كَانَ وَقْتُ فِعْلِهِ عَقِيبَ وُرُودِ الْأَمْرِ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الْإِمْكَانِ وَاسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ وَثَبَتَ ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَ الْفِعْلِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ إذَا عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ الْفِعْلِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالسَّادِسُ دَلَالَةُ قَوْلِهِ [لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ] عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَاسْتِعْمَالِ غَالِبِ الظَّنّ فِي الْأَحْكَامِ إذْ لَا يُعْلَمُ أَنَّهَا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالْفَارِضِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَالسَّابِعُ اسْتِعْمَالُ الظَّاهِرِ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ خلافه بقوله [مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها] يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُسَلَّمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ بَرِيئَةٌ مِنْهَا وَذَلِكَ لَا نَعْلَمُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا نَعْلَمُهُ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُون بِهَا عَيْبٌ بَاطِنٌ وَالثَّامِنُ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْمُرَاجَعَةِ الْأَخِيرَةِ [وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ] لَمَّا قَرَنُوا الْخَبَرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وُفِّقُوا لِتَرْكِ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَهَا وَلِوُجُودِ مَا أُمِرُوا بِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَقُولُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمَا اهْتَدَوْا لَهَا أَبَدًا وَلَدَامَ الشَّرُّ بينهم وكذلك قوله [وَما كادُوا يَفْعَلُونَ] فأعلمنا الله ذلك لنطلب نجح الْأُمُورِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ اللَّهِ وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ فِي قَوْلِهِ [وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ] فَفِيهِ اسْتِعَانَةٌ بِاَللَّهِ وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَالِاعْتِرَافُ بِقُدْرَتِهِ وَنَفَاذِ مَشِيئَتِهِ وَأَنَّهُ مَالِكُهُ وَالْمُدَبِّرُ لَهُ وَالتَّاسِعُ دَلَالَةُ قَوْلِهِ [أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ] عَلَى أَنَّ الْمُسْتَهْزِئَ يَسْتَحِقُّ سِمَةَ الْجَهْلِ لِانْتِفَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْل
بِنَفْيِهِ الِاسْتِهْزَاءَ عَنْ نَفْسِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute