للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَالثَّانِي أَنَّ سَائِرَ الْفُرَقِ الْحَادِثَةِ فِي الْأُصُولِ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ مِنْ ذَلِكَ فُرْقَةُ الْعِنِّينِ وَاخْتِيَارُ الْأَمَةِ وَرِدَّةُ الزوج واختيار الصغيرين فلما لم يكن معه تَصْرِيحٌ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إيلَاءِ الذِّمِّيِّ فَقَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا إذَا حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا فَهُوَ مُولٍ وَإِنَّ حَلَفَ بِصَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنَّ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَانَ مُولِيًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إيلَاءُ الذِّمِّيِّ صَحِيحٌ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْإِيلَاءِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْإِيلَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي يَلْزَمُهُ فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا أَنْ يَصِحَّ إيلَاءُ الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ كَمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ فَلَا يَلْزَمُهُ إذَا حَنِثَ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِإِيجَابِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ هَذِهِ الْقُرَبِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ لَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أن لا يكون موليا بحلفه الحج وَالْعُمْرَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ بِالْجِمَاعِ شَيْءٌ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ وقَوْله تعالى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ يَقْتَضِي عُمُومَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَلَكِنَّا خَصَّصْنَاهُ بِمَا وَصَفْنَا وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَعَلَهُ مُولِيًا وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ حُكْمَ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ تَعَلَّقَ عَلَى الْكَافِرِ كَهِيَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِدَلَالَةِ أَنَّ إظْهَارَ الْكَافِرِ تَسْمِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّبِيحَةِ يُبِيحُ أَكْلَهَا كَالْمُسْلِمِ وَلَوْ سَمَّى الْكَافِرُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ لَمْ تُؤْكَلْ فَثَبَتَ حُكْمُ تَسْمِيَتِهِ وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ فِي حُكْمِهَا فَكَذَلِكَ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا الْكَفَّارَةُ وَالْآخَرُ الطَّلَاقُ فَثَبَتَ حُكْمُ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِحَلِفِهِ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ إذَا كَانَ هُوَ الْحَلِفَ وَهُوَ حَالِفٌ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا يَصِلُ إلَى جِمَاعِهَا إلَّا بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ صَدَقَةٍ يَلْزَمُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُولِيًا كَحَلِفِهِ بِاَللَّهِ لِأَنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ يَنْتَظِمُ

الْجَمِيعَ إذْ كَانَ مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ مُولٍ.

(فَصْلٌ) وَمِمَّا تُفِيدُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ على

<<  <  ج: ص:  >  >>