سَالَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ بِلَوْنِ الدَّمِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اُخْتُصَّتْ هِيَ بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِهَا دُونَنَا لِأَنَّهَا وَإِيَّانَا مُتَسَاوُونَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَلْوَانِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ بِلَوْنِهِ مِنْ لَوْنِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَأَنَّهُمَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْحَيْضَ بِلَوْنِ الدَّمِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ سُقُوطِ اعْتِبَارِ لَوْنِ الدَّمِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْحَيْضِ وَالْعَادَةَ فِيهِ وَمِقْدَارَهُ وَأَوْقَاتِ الطُّهْرِ إنَّمَا يُعْلَمُ مِنْ جِهَتِهَا إذْ لَيْسَ كُلُّ دَمٍ حَيْضًا وَكَذَلِكَ وُجُودُ الْحَمْلِ النَّافِي لِكَوْنِ الدَّمِ حَيْضًا وَإِسْقَاطُ سُقْطٍ كُلُّ ذَلِكَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى قَوْلِهَا لِأَنَّا لَا نَعْلَمُهُ
نَحْنُ وَلَا نَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَلِذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهَا وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ قَوْلَ الْمَرْأَةِ مَقْبُولٌ فِي وُجُودِ الْحَيْضِ وَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا إذَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ سِنًّا تَحِيضُ مِثْلُهَا وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ قَالَ صَبِيٌّ مُرَاهِقٌ قَدْ احْتَلَمْت لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ حَتَّى يُعْلَمَ الِاحْتِلَامُ أَوْ بُلُوغُ سِنٍّ يَكُونُ مِثْلُهُ بَالِغًا فِيهَا فَفَرْقٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَيْضَ إنَّمَا يُعْلَمُ مِنْ جِهَتِهَا لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَوْقَاتِ وَالْعَادَةِ وَالْمَعَانِي الَّتِي لَا تُعْلَمُ مِنْ جِهَةِ غيرها ودلالة الآية على قبول قبولها فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاحْتِلَامُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ بِأَسْبَابٍ أُخَرَ غَيْرَ خُرُوجِهِ وَلَا اعْتِبَارَ فِيهِ بِوَقْتٍ وَلَا عَادَةٍ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى نَعْلَمَ يَقِينًا صِحَّةَ مَا قَالَ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَمَّا كَانَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ شَاهَدَ الدَّمَ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِحُكْمِ الْحَيْضِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهَا إذْ كان إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَعْلَمُهُ هِيَ دُونَنَا وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلَا يَشْتَبِهُ فِيهِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى أَحَدٍ شَاهَدَهُ وَهُوَ يُدْرَكُ وَيُعْلَمُ مِنْ غَيْرِ الْتِبَاسٍ مِنْهُ بِغَيْرِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ نَحْتَجْ فِيهِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِهِ وقَوْله تَعَالَى إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي النَّهْيِ عَنْ الْكِتْمَانِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَأَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْإِيمَانِ فَعَلَيْهَا أَنْ لَا تَكْتُمَ وَمَنْ يُؤْمِنُ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ فِي هَذَا النَّهْيِ سَوَاءٌ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَقَوْلِ مَرْيَمَ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
قَوْله تَعَالَى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً قَدْ تَضَمَّنَ ضُرُوبًا مِنْ الْأَحْكَامِ أَحَدُهَا أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ لَا يَرْفَعُ الزَّوْجِيَّةَ وَلَا يُبْطِلُهَا وَإِخْبَارٌ بِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ مَعَهُ لِأَنَّهُ سَمَّاهُ بَعْلًا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ التَّوَارُثِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً وَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute