للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى الْمُقْتِرِ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ وَلِلْمُقْتِرِ قَدَرٌ يُعْتَبَرُ بِهِ وَهُوَ ثُبُوتُهُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَجِدَ فَيُسَلِّمَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَأَوْجَبَهَا عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُكْمِ الْآيَةِ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةً تَثْبُتُ فِيهَا النَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى إذَا وَجَدَهَا أَعْطَاهَا كَذَلِكَ الْمُقْتِرُ فِي حُكْمِ الْمُتْعَةِ وَكَسَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَتَكُونُ الذِّمَّةُ كَالْأَعْيَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ شِرَاءَ الْمُعْسِرِ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ جَائِزٌ وَقَامَتْ الذِّمَّةُ مَقَامَ الْعَيْنِ فِي بَابِ ثُبُوتِ الْبَدَلِ فِيهَا فَكَذَلِكَ ذِمَّةُ الزَّوْجِ الْمُقْتِرِ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ يَصِحُّ إثْبَاتُ الْمُتْعَةِ فِيهَا كَمَا تَثْبُتُ فِيهَا النَّفَقَاتُ وَسَائِرُ الدُّيُونِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ فِيهِ مَعَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَنْ سَكَتَ عَنْ التَّسْمِيَةِ وَبَيْنَ مِنْ شَرَطَ أَنْ لَا صَدَاقَ فَهِيَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَزَعَمَ مَالِكٌ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا صَحَّ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَقَدْ قَضَتْ الْآيَةُ بِجَوَازِ النِّكَاحِ وَشَرْطُهُ

أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ فَإِذَا كَانَ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ شَرْطُهُ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِلْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُتْعَةَ بَدَلٌ مِنْ الْبُضْعِ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَسْتَحِقَّ بَدَلَيْنِ فَلَمَّا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَسْتَحِقَّ مَعَهُ الْمُتْعَةَ وَلَا خِلَافَ أَيْضًا بَيْنَ الفقهاء الْأَمْصَارِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَسْتَحِقُّهَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ إذَا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَمْ تَسْتَحِقَّهُ مَعَ وُجُوبِ بَعْضِ الْمَهْرِ فَأَنْ لَا تَسْتَحِقَّهُ مَعَ وُجُوبِ جَمِيعِهِ أَوْلَى وَالثَّانِي أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنْ قِيلَ لَمَّا وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ حِينَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ أولى قيل فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْتَحِقَّهَا إذَا وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ عَدَمِ شَيْءٍ مِنْهُ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا استحقها عِنْدَ فَقْدِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ لِعِلَّةِ أَنَّ البضع لا يخلو من بدل قيل الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ وَلَمَّا اسْتَحَقَّتْ بَدَلًا آخَرَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَسْتَحِقَّهَا فَإِنْ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَذَلِكَ عَامٌّ فِي سَائِرِهِنَّ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ قِيلَ لَهُ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمَتَاعَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَالَ الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>