لأن قوله تعالى تَدايَنْتُمْ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الدِّينِ الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يَعْنِي يَوْمَ الْجَزَاءِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى تَجَازَيْتُمْ فَأَزَالَ الاشتراك عن اللفظ بقوله تعالى بِدَيْنٍ وَقَصَرَهُ عَلَى الْمُعَامَلَةِ بِالدَّيْنِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى جِهَةِ التَّأْكِيدِ وَتَمْكِينِ الْمَعْنَى فِي النَّفْسِ وقَوْله تَعَالَى إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يَنْتَظِمُ سَائِرَ عُقُودِ الْمُدَايَنَاتِ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الآجال ولا دلالة فيه عَلَى جَوَازِ
التَّأْجِيلِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ لِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا بَيَانُ جَوَازِ التَّأْجِيلِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ إذَا كَانَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا ثُمَّ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْلَمَ بِدَلَالَةٍ أُخْرَى جَوَازُ التَّأْجِيلِ فِي الدَّيْنِ وَامْتِنَاعِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تَقْتَضِ جَوَازَ دُخُولِ الْأَجَلِ عَلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَكُونَا جَمِيعًا مُؤَجَّلَيْنِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ بِالْآجَالِ الْمَعْلُومَةِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ جَوَازَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمَعْلُومِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ بِدَلَالَةٍ أُخْرَى وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ احْتَجْنَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ نُسْلِمَ فِيهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَكَمَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ عقود المداينات ولم يصح الاستدلال بعمومهما فِي إجَازَةِ سَائِرِ عُقُودِ الْمُدَايَنَاتِ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ إذَا صَحَّتْ الْمُدَايَنَةُ كَذَلِكَ لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شَرْطِ الْأَجَلِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ إذَا صَحَّ الدَّيْنُ وَالتَّأْجِيلُ فِيهِ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ التَّأْجِيلِ فِي الْقَرْضِ بِهَذِهِ الآية إذ لا تُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَرْضِ وَسَائِرِ عُقُودِ الْمُدَايَنَاتِ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَرْضَ مِمَّا شَمِلَهُ الِاسْمُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى جَوَازِ كُلِّ دَيْنٍ وَلَا عَلَى جَوَازِ التَّأْجِيلِ فِي جَمِيعِهَا وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى دَيْنٍ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ التَّأْجِيلُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِشْهَادَ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الدُّيُونِ وَلَا مِنْ الْآجَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ التَّأْجِيلُ فَاكْتُبُوهُ فَالْمُسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ مُغَفَّلٌ فِي اسْتِدْلَالِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرْضَ لَمْ يدخل فيه أن قوله تعالى إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ قَدْ اقْتَضَى عَقْدَ الْمُدَايَنَةِ وَلَيْسَ الْقَرْضُ بِعَقْدِ مداينة إذا لَا يَصِيرُ دَيْنًا بِالْعَقْدِ دُونَ الْقَبْضِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَرْضُ خَارِجًا مِنْهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وقَوْله تَعَالَى إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى كُلِّ دَيْنٍ ثَابِتٍ مُؤَجَّلٍ سَوَاءٌ كَانَ بَدَلُهُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَمَنْ اشْتَرَى دَارًا أَوْ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى أجل كان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute