للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيَّنَّا خُرُوجَهُ عَنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَعْتَبِرْ قَتْلَهُ بِسِحْرِهِ وَأَوْجَبُوا قَتْلَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِحُصُولِ الِاسْمِ لَهُ وَهُوَ مَعَ ذلك لا يخلوا مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي ذِكْرِهِ قَتْلَ السَّاحِرِ بِغَيْرِهِ إمَّا أَنْ يُجِيزَ عَلَى السَّاحِرِ قَتْلَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا اتِّصَالِ سَبَبٍ إلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَدَّعِيهِ السَّحَرَةُ وَذَلِكَ فَظِيعٌ شَنِيعٌ وَلَا يُجِيزُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ فِعْلِ السَّحَرَةِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ مُضَاهَاتِهِ أَعْلَامَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ أَوْ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَجَازَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ سَقْيِ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ كَانَ هَذَا أَرَادَ فَإِنَّ مِنْ احْتَالَ فِي إيصَالِ دَوَاءٍ إلَى إنْسَانٍ حَتَّى شَرِبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دِيَةٌ إذْ كَانَ هُوَ الشَّارِبَ لَهُ وَالْجَانِيَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَنْ دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ سَيْفًا فقتل به نفسه وإن كان إنما أو جره إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ لِشُرْبِهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يَقَعُ إلَّا فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا يَسْتَوِي فِيهِ السَّاحِرُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قَوْلُهُ إذَا قَالَ السَّاحِرُ قَدْ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ وَقَدْ مَاتَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ عَمَلِي فَفِيهِ الدِّيَةُ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا بِحَدِيدَةِ قَدْ يَمُوتُ الْمَجْرُوحُ مِنْ مِثْلِهِ وَقَدْ لَا يَمُوتُ لَكَانَ عَلَيْهِ فِيهِ الْقِصَاصُ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى قَوْلِهِ إيجَابَ الْقِصَاصِ كَمَا يَجِبُ فِي الْحَدِيدَةِ وَقَوْلُهُ قَدْ يَمُوتُ وَقَدْ لَا يَمُوتُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فِي زَوَالِ الْقِصَاصِ لِوُجُودِهَا فِي الْجَارِحِ بِحَدِيدَةٍ بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ السَّاحِرُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ مِنْ عَمَلِهِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالضَّرْبِ بِالْعَصَا وَاللَّطْمَةِ الَّتِي قَدْ تَقْتُلُ وَقَدْ لَا تَقْتُلُ قِيلَ لَهُ وَلِمَ صَارَ بِالْقَتْلِ بِالْعَصَا وَاللَّطْمَةِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْحَدِيدَةِ فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا سِلَاحٌ وَذَاكَ لَيْسَ بِسِلَاحِ لَزِمَهُ فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِسِلَاحِ أَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ اعْتِبَارُ السِّلَاحِ دُونَ غَيْرِهِ فِي إيجَابِ الْقَوَدِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ قَالَ مَرِضَ مِنْهُ وَلَمْ يَمُتْ أَقْسَمَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمَاتَ مِنْهُ مُخَالِفٌ فِي النَّظَرِ لِأَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ مَنْ جَرَحَ رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ حُكْمُ جِنَايَتِهِ وَكَانَ مَحْكُومًا بِحُدُوثِ الْمَوْتِ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى أَيْمَانِ الْأَوْلِيَاءِ فِي مَوْتِهِ مِنْهَا فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي السَّاحِرِ إذَا أَقَرَّ أَنَّ الْمَسْحُورَ مَرِضَ مِنْ سِحْرِهِ فَإِنْ قِيلَ كَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمَرِيضِ مِنْ الْجِرَاحَةِ إذَا لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ أَنَّهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا لَمْ يُحْكَمْ بِالْقَتْلِ حَتَّى يُقْسِمَ أَوْلِيَاءُ الْمَجْرُوحِ قِيلَ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ مِثْلَهُ لَوْ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ وَوَالَى بَيْنَ الضَّرْبِ حَتَّى قَتَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَقَالَ الْجَارِحُ مَاتَ مِنْ عِلَّةٍ كَانَتْ بِهِ قَبْلَ الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ قَالَ اخْتَرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَمُتْ مِنْ ضَرْبَتِي أَنْ تُقْسِمَ الْأَوْلِيَاءُ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَكَذَلِكَ مَا وَصَفْنَا قال

<<  <  ج: ص:  >  >>