للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ لا يجوز شَهَادَةٌ عَلَى دَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ دُونَ شَاهِدَيْنِ حَتَّى إذَا كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ جَعَلَ مَعَ شَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ يَمِينَ الطَّالِبِ وَرَوَى مُطَّرِفُ بْنُ مَازِنٍ قَاضِي أَهْلِ الْيَمَنِ عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رَبَاحٍ قَالَ أَدْرَكْت هَذَا الْبَلَدَ يَعْنِي مَكَّةَ وَمَا يُقْضَى فِيهِ فِي الْحُقُوقِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ حَتَّى كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَامِلِهِ إنَّك كُنْت تَقْضِي بِالْمَدِينَةِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ إنَّا قَدْ كُنَّا نَقْضِي كَذَلِكَ وَإِنَّا وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَقْضِيَنَّ

إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَقَدْ أَخْبَرَ هَؤُلَاءِ السَّلَفِ إنَّ الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ سُنَّةُ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا خَفِيَ عَلَى عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا أَحَدُهُمَا فَسَادُ السَّنَدِ وَاضْطِرَابُهُ وَالثَّانِي جُحُودُ سُهَيْلٍ لَهُ وَهُوَ الْعُمْدَةُ فِيهِ وَإِخْبَارُ رَبِيعَةَ أَنَّ أَصْلَهُ مَا وُجِدَ فِي كِتَابِ سَعْدٍ وَإِنْكَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ وَإِخْبَارِهِمْ أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدَ الْمَلِكِ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنَّهَا لَوْ وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ مُسْتَقِيمَةٍ تُقْبَلُ أَخْبَارُ الْآحَادِ فِي مِثْلِهَا وَعُرِّيَتْ مِنْ ظُهُورِ نَكِيرِ السَّلَفِ عَلَى روايتها وَإِخْبَارِهِمْ إنَّهَا بِدْعَةٌ لَمَا جَازَ الِاعْتِرَاضُ بِهَا عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَوَجْهُ النَّسْخِ مِنْهُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ الَّذِي لَا يَرْتَابُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ سَامِعِي الْآيَةِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ حُظِرَ قَبُولُ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَفِي اسْتِعْمَالِ هَذَا الْخَبَرِ تَرْكُ مُوجِبِ الْآيَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَنْطَوِيَ تَحْتَ ذِكْرِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ كَمَا كَانَ المفهوم من قوله فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَقَوْلِهِ فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ مَنَعَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا فِي كَوْنِهَا حَدًّا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ حد القاذف أقل من ثمانين وحد الزَّانِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ كَانَ مُخَالِفًا لِلْآيَةِ كَذَلِكَ مَنْ قَبِلَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي اسْتِشْهَادِ شَاهِدَيْنِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَعْنَى الْآيَةِ كَذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ مَا أَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ الْمَقْصِدِ فِي الْكِتَابِ وَاسْتِشْهَادِ الشُّهُودِ فِي قَوْلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا وَقَوْلُهُ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَقْصِدَ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّوَثُّقُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَالِاسْتِظْهَارُ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ لِنَفْيِ الرِّيبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>