للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذا ما دُعُوا لإثبات الشهادة وأما إذا ما أَثْبَتَا شَهَادَتَهُمَا ثُمَّ دُعِيَا لِإِقَامَتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فهذا الدعاء هو كحضورهم عِنْدَ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْضُرُ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ لِيَشْهَدَا عِنْدَهُ وَإِنَّمَا الشُّهُودُ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَالدُّعَاءُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الشهادة في الكتاب والدعاء والثاني لِحُضُورِهِمْ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ وقَوْله تعالى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا عَلَى الْحَالَيْنِ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْإِقَامَةِ لَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وقَوْله تَعَالَى أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ابْتِدَاءُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا انْتَظَمَهُ اللَّفْظُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى خُصُوصِهِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَا قَالَ وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا فَسَمَّاهُمْ شُهَدَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَالُ إقَامَتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ شُهَدَاءَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدُوا فِي الْكِتَابِ قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَسَمَّاهُمَا شَهِيدَيْنِ وَأَمَرَ بِاسْتِشْهَادِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَا لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ حَالَ الِابْتِدَاءِ مُرَادَةٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَسَمَّاهُ زَوْجًا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الشاهد إثبات الشهداء ابْتِدَاءً وَيَلْزَمُهُ إقَامَتُهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِيجَابِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْهَدْ غَيْرَهُ وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَغُسْلِ الْمَوْتَى وَدَفْنِهِمْ وَمَتَى قَامَ بِهِ بَعْضٌ سَقَطَ عن الباقين وَكَذَلِكَ حُكْمُ الشَّهَادَةِ فِي تَحَمُّلِهَا وَأَدَائِهَا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ أَنَّهُ غير جائز للناس كلهم الِامْتِنَاعِ مِنْ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ جَازَ لِكُلِّ واحد أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَحَمُّلِهَا لَبَطَلَتْ الْوَثَائِقُ وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ وَكَانَ فِيهِ سُقُوطُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَدَبَ إلَيْهِ مِنْ التَّوَثُّقِ بِالْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى لُزُومِ فَرْضِ إثْبَاتِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ فَرْضَهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ تَحَمُّلُهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تعالى وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ فَإِذَا ثَبَتَ فَرْضُ التَّحَمُّلِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَانَ حُكْمُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَذَلِكَ إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ مِنْهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ إلَّا شَاهِدَانِ فَقَدْ تَعَيَّنَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمَا مَتَى دُعِيَا لِإِقَامَتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا وَقَالَ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وقال وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ وقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ وإذا كان منهما مندوحة بإقامة غيرهما فقد سقط

<<  <  ج: ص:  >  >>