أُمًّا لِلْمُتَشَابِهِ الَّذِي يُرَدُّ إلَيْهِ وَيُحْمَلُ مَعْنَاهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ الَّذِي عَمَّ بِهِ جَمِيعَ القرآن في قوله تعالى كِتاباً مُتَشابِهاً فَهُوَ التَّمَاثُلُ وَنَفَى الِاخْتِلَافَ وَالتَّضَادَّ عَنْهُ وَأَمَّا المتشابه الخصوص بِهِ بَعْضُ الْقُرْآنِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَقَاوِيلَ السَّلَفِ فِيهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ النَّاسِخُ وَالْمُتَشَابِهَ هُوَ الْمَنْسُوخُ فَهَذَا عِنْدَنَا هُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وُجُوهٌ غَيْرَهُمَا وَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى النَّاسِخُ مُحْكَمًا لِأَنَّهُ ثَابِتُ الْحُكْمِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْبِنَاءَ الْوَثِيقَ مُحْكَمًا وَيَقُولُونَ فِي الْعَقْدِ الْوَثِيقِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ حِلُّهُ مُحْكَمًا فَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى النَّاسِخُ مُحْكَمًا إذْ كَانَتْ صِفَتُهُ الثَّبَاتَ وَالْبَقَاءَ وَيُسَمَّى الْمَنْسُوخُ مُتَشَابِهًا مِنْ حَيْثُ أَشْبَهَ فِي التِّلَاوَةِ الْمُحْكَمَ وَخَالَفَهُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَيَشْتَبِهُ عَلَى التَّالِي حُكْمُهُ فِي ثُبُوتِهِ وَنَسْخِهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى الْمَنْسُوخُ مُتَشَابِهًا وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ الَّذِي لَمْ تَتَكَرَّرْ أَلْفَاظُهُ وَالْمُتَشَابِهَ هُوَ الَّذِي تَتَكَرَّرُ أَلْفَاظُهُ فَإِنَّ اشْتِبَاهَ هَذَا مِنْ جِهَةِ اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِيهِ عَلَى السَّامِعِ وَهَذَا سَائِغٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا يَشْتَبِهُ فِيهِ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِيهِ عَلَى السَّامِعِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَهُ وَيَتَّضِحَ لَهُ وَجْهُهُ فَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُتَشَابِهِ وَمَا لَا يَشْتَبِهُ فِيهِ وَجْهُ الحكمة على السامع فَهُوَ الْمُحْكَمُ الَّذِي لَا تَشَابُهَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ فَهَذَا أَيْضًا أَحَدُ وُجُوهِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ فِيهِ سَائِغٌ جَائِزٌ وأما ما روى عن جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْمُحْكَمَ مَا يُعْلَمُ تَعْيِينُ تأويله والمتشابه ما لا يعلم تأويله كقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَإِنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ سَائِغٌ فِيهِ لِأَنَّ مَا عُلِمَ وَقْتُهُ وَمَعْنَاهُ فَلَا تَشَابُهَ فِيهِ وَقَدْ أُحْكِمَ بَيَانُهُ وَمَا لَا يُعْلَمُ تَأْوِيلُهُ وَمَعْنَاهُ وَوَقْتُهُ فَهُوَ مُشْتَبِهٌ عَلَى سَامِعِهِ فَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْوُجُوهِ يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ عَلَى مَا رُوِيَ فِيهِ وَلَوْلَا احْتِمَالُ اللَّفْظِ لِمَا ذَكَرُوا لَمَا تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا وَالْمُتَشَابِهَ مَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الَّذِي يَنْتَظِمُهَا هَذَا الِاسْمُ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ سُمِّيَ مُحْكَمًا لَإِحْكَامِ دَلَالَتِهِ وَإِيضَاحِ مَعْنَاهُ وَإِبَانَتِهِ وَالْمُتَشَابِهُ مِنْهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُحْكَمَ مِنْ وَجْهٍ وَاحْتَمَلَ مَعْنَاهُ وَأَشْبَهَ غَيْرَهُ مِمَّا يُخَالِفُ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْمُحْكَمِ فَسُمِّيَ مُتَشَابِهًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَمَّا كَانَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ يَعْتَوِرُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُعَانَى احْتَجْنَا إلَى معرفة المراد منها بِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute