للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي السَّارِقِ إذَا أَخَذَ الْمَتَاعَ وَسِعَكَ أَنْ تَتْبَعَهُ حَتَّى تَقْتُلَهُ إنْ لَمْ يَرُدَّ الْمَتَاعَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اللِّصِّ الَّذِي يَنْقُبُ الْبُيُوتَ يَسَعُكَ قَتْلُهُ وَقَالَ فِي رَجُلٍ يُرِيدُ قَلْعَ سِنِّك قَالَ فَلَكَ أَنْ تَقْتُلَهُ إذَا كُنْت فِي مَوْضِعٍ لَا يُعِينُك النَّاسُ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ إلَّا بَعْدَ الْفَيْءِ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرْكِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَغْيِ وَالْمُنْكَرِ

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ

يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِتَغْيِيرِهِ بِيَدِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَغْيِيرُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَعَلَيْهِ قَتْلُهُ حَتَّى يُزِيلَهُ وَكَذَلِكَ قُلْنَا فِي أَصْحَابِ الضَّرَائِبِ وَالْمُكُوسِ الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَمْتِعَةِ النَّاسِ إنَّ دِمَاءَهُمْ مُبَاحَةٌ وَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ مِنْهُ لَهُ وَلَا التَّقَدُّمِ إلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ غَيْرُ قَابِلِينَ إذَا كَانُوا مُقْدِمِينَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِحَظْرِهِ وَمَتَى أَنْذَرَهُمْ مَنْ يُرِيدُ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ امْتَنَعُوا مِنْهُ حَتَّى لَا يُمْكِنَ تَغْيِيرُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرِ فَجَائِزٌ قَتْلُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُقِيمًا عَلَى ذَلِكَ وَجَائِزٌ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُهُمْ لِمَنْ خَافَ إنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ أَنْ يُقْتَلَ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ اجْتِنَابَهُمْ وَالْغِلْظَةَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَمْكَنَ وَهِجْرَانَهُمْ وَكَذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُوبِقَاتِ مُصِرًّا عَلَيْهَا مُجَاهِرًا بِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ بِمَا أَمْكَنَ وَتَغْيِيرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُنْكِرْهُ بِلِسَانِهِ وَذَلِكَ إذَا رَجَا أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ أَنْ يَزُولُوا عَنْهُ وَيَتْرُكُوهُ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ وَقَدْ غَلَبَ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُمْ غَيْرُ قَابِلِينَ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ مُنْكِرٌ عَلَيْهِمْ وَسِعَهُ السكوت عنهم يعد أَنْ يُجَانِبَهُمْ وَيُظْهِرَ هِجْرَانَهُمْ لِأَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَلْيُغَيِّرْهُ بِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُغَيِّرْهُ بِقَلْبِهِ

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَدْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَزُولُوا عَنْ الْمُنْكَرِ فَعَلَيْهِ إنْكَارُهُ بِقَلْبِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي تَقِيَّةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ بِالْقَوْلِ فَأَبَاحَ لَهُ السُّكُوتَ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْله تَعَالَى عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ مُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ مَا قُبِلَ مِنْك فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْك فَعَلَيْك نَفْسُك وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَيْضًا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْك نَفْسَك وَدَعْ عَنْك الْعَوَامَّ

يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>