أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهَا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الصِّغَارُ اللَّاتِي يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِنَّ فِي التَّزْوِيجِ مَنْ هُنَّ فِي حِجْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن شداد قال كان زَوَّجَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ ابْنُهَا سَلَمَةُ فَزَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَ حَمْزَةَ وَهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا حَتَّى مَاتَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ جَزَيْت سَلَمَةَ بِتَزْوِيجِهِ إيَّايَ أُمَّهُ
وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ زَوَّجَهُمَا وَلَيْسَ بِأَبٍ وَلَا جَدٍّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ جَائِزٌ لِلصَّغِيرَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَاتَّبِعُوهُ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي تَزْوِيجَ الصَّغِيرَيْنِ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي جَازَ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ
فَأَثْبَتَ النِّكَاحَ إذَا كَانَ بِوَلِيٍّ وَالْأَخُ وَابْنُ الْعَمِّ أَوْلِيَاءُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً كَانُوا أَوْلِيَاءَ فِي النِّكَاحِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ إذا لم يكونا من أهل الميراث إن كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ لَمْ يُزَوِّجَا فَدَلَّ على أن هذه الآية مستحقة بالميراث فكل من كان أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ لِلْأُمِّ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَنْ يُزَوِّجُوا إذَا لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ فِي النِّكَاحِ مَالٌ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ عَقْدُ مَنْ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ قِيلَ لَهُ إنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهِ بِالْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فللأولياء حتى فِي التَّزْوِيجِ وَلَيْسَتْ لَهُمْ وِلَايَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَيَلْزَمُ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ أَنْ لَا يجيز تَزْوِيجَ الْأَبِ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْمَالِ فَلَمَّا جَازَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِأَبِ الْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا مَعَ عَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا فِي الْمَالِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوِلَايَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِجَوَازِ التصرف في المال ولما ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ جَوَازُ تَزْوِيجِ وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ إيَّاهَا مِنْ نَفْسِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ لِوَلِيِّ الْكَبِيرَةِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَاهَا وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعَاقِدَ لِلزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِأَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لَهُمَا كَمَا جَازَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْمُوجِبُ لِلنِّكَاحِ والقابل له واحدا ويدل أيضا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ وَلِيًّا لِصَغِيرَيْنِ جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَحَدَهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَالْآيَةُ دَالَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ الشافعى في قوله إن الصغيرة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute