للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَامْتَنَعَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إضْمَارُ الْوَطْءِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ اسْمُ النِّكَاحِ قَدْ يَتَنَاوَلُهُ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ النِّكَاحِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِهَا وَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَقْدُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ ذَلِكَ اللَّفْظِ بِعَيْنِهِ وطء لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ لَفْظٌ وَاحِدٌ مَجَازًا حَقِيقَةً لِأَنَّ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ مَجَازًا وَالْآخَرُ حَقِيقَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَظِمَهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُهُ عَقْدَ النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ بَدِيًّا فِي الْآيَةِ فَإِنْ قِيلَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ضَمِيرَهُ هُوَ الْوَطْءُ دُونَ الْعَقْدِ إضَافَتُهُ لِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَى الْمُخَاطَبِينَ وَمَعْلُومٌ اسْتِحَالَةُ تَزَوُّجِهِ بِمِلْكِ يَمِينِهِ وَيَجُوزُ لَهُ وَطْءُ مِلْكِ يَمِينِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْوَطْءُ دُونَ الْعَقْدِ قِيلَ لَهُ لَمَّا أَضَافَ مِلْكَ الْيَمِينِ إلَى الْجَمَاعَةِ كَانَ الْمُرَادُ نِكَاحَ مِلْكِ يَمِينِ الْغَيْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ فَأَضَافَ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَى مِلْكِ أَيْمَانِهِمْ إلَيْهِمْ والخطاب متوجه إلى كل واحد فِي إبَاحَةِ

تَزْوِيجِ مِلْكِ غَيْرِهِ كَذَلِكَ قَوْله تعالى أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَلَيْسَ إذًا فِيمَا ذَكَرْت دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إضْمَارٍ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْخِطَابِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُظْهَرًا وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ وفيما وصفنا دَلِيلٌ عَلَى اقْتِضَاءِ الْآيَةِ التَّخْيِيرَ بَيْنِ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ لِمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرَّةً لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ فَقَدْ حَوَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الدَّلَالَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ مَعَ وُجُودِ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ أَحَدُهُمَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ لِوُقُوعِ اسْمِ النِّسَاءِ عَلَيْهِنَّ وَالثَّانِي قَوْله تَعَالَى أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْحَرَائِرِ فِي التَّزْوِيجِ وَقَدْ قَدَّمْنَا دَلَالَةَ قَوْله تَعَالَى وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ وَذَلِكَ عُمُومٌ شَامِلٌ لِلْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَغَيْرُ جَائِزٍ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا فإن ابن عباس والحسن ومجاهد وَأَبَا رَزِينٍ وَالشَّعْبِيَّ وَأَبَا مَالِكٍ وَإِسْمَاعِيلَ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ قَالُوا يَعْنِي لَا تَمِيلُوا عَنْ الْحَقِّ وروى إسماعيل ابن أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا أَنْ لَا تَمِيلُوا وَأَنْشَدَ عِكْرِمَةُ شِعْرًا لِأَبِي طَالِبٍ:

بِمِيزَانِ صِدْقٍ لَا يَخِسُّ شَعِيرَةً ... وَوِزَانِ قِسْطٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>