في قوله تعالى نِحْلَةً يَعْنِي بِطِيبَةِ أَنْفُسِكُمْ يَقُولُ لَا تُعْطُوهُنَّ مُهُورَهُنَّ وأنتم كارهون ولكن آتوهم ذَلِكَ وَأَنْفُسُكُمْ بِهِ طَيِّبَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ لَهُنَّ دُونَكُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَجَائِزٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ إنَّمَا سَمَّاهُ نِحْلَةً لِأَنَّ النِّحْلَةَ هِيَ الْعَطِيَّةُ وَلَيْسَ يَكَادُ يَفْعَلُهَا النَّاحِلُ إلَّا مُتَبَرِّعًا بِهَا طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ فَأُمِرُوا بِإِيتَاءِ النِّسَاءِ مُهُورَهُنَّ بِطِيبَةٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَالْعَطِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُعْطِي بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ وَيُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فِي إيجَابِ كَمَالِ الْمَهْرِ لِلْمَخْلُوِّ بِهَا لِاقْتِضَاءِ الظَّاهِرِ لَهُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً فَإِنَّهُ يَعْنِي عَنْ الْمَهْرِ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِإِيتَائِهِنَّ صَدُقَاتِهِنَّ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ جَوَازِ قَبُولِ إبْرَائِهَا وَهِبَتِهَا لَهُ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّ عَلَيْهِ إيتَاءَهَا مَهْرَهَا وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهَا بِتَرْكِهِ قَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهَا مِنْ غيره كُرْهٍ فَهُوَ حَلَالٌ وَقَالَ عَلْقَمَةُ لِامْرَأَتِهِ أَطْعِمِينِي من الهنيء والمريء فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ مَعَانِيَ مِنْهَا أَنَّ الْمَهْرَ لَهَا وَهِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ لَهُ لَا حَقَّ لِلْوَلِيِّ فِيهِ وَمِنْهَا أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْهَا جَوَازُ هِبَتِهَا الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ وَالْإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ فِي أَخْذِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ومنها تساوى قال قَبْضِهَا لِلْمَهْرِ وَتَرْكِ قَبْضِهَا فِي جَوَازِ هِبَتِهَا لِلْمَهْرِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ هبتها للمهر قبل القبض لأن اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قِيلَ قوله تعالى فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا تَعَيَّنَ مِنْ الْمَهْرِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَرَضًا بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَوْ دَرَاهِمَ قَدْ قَبَضَتْهَا فَأَمَّا دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ هِبَتِهَا لَهُ إذْ لَا يُقَالُ لِمَا فِي الذِّمَّةِ كُلْهُ هَنِيئًا مَرِيئًا قِيلَ لَهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَكْلُ دُونَ مَا لَا يَتَأَتَّى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا فِي الْمَهْرِ إذَا كَانَ شَيْئًا مَأْكُولًا وَقَدْ عُقِلَ مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابِ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمَأْكُولِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً عام في المهور كلها سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ أَوْ مِنْ غيره وقوله تعالى فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً شَامِلٌ لِجَمِيعِ الصَّدَقَاتِ الْمَأْمُورِ بِإِيتَائِهَا فَدَلَّ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِلَفْظِ الْأَكْلِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْمَقْصِدَ فِيهِ جَوَازُ اسْتِبَاحَتِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً وَقَالَ تَعَالَى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وهو عموم النَّهْيِ عَنْ سَائِرِ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْأَعْيَانِ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَشَامِلٌ لِلنَّهْيِ فِي أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ إلَّا على وجه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute