للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عَبْدِ اللَّه قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبِنْتَيْنِ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ بنتا ثابت ابن قَيْسٍ قُتِلَ مَعَك يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا عَمُّهُمَا مَالًا إلَّا أَخَذَهُ فَمَا تَرَى يا رسول الله فو الله لَا تُنْكَحَانِ أَبَدًا إلَّا وَلَهُمَا مَالٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الْآيَةَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُدْعُ إلى الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا فَقَالَ لِعَمِّهِمَا أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَلَكَ

قَالَ أَبُو بكر قد حوى هذا الخبر معاني مِنْهَا أَنَّ الْعَمَّ قَدْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ دُونَ الْبِنْتَيْنِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي تَوْرِيثِ الْمُقَاتِلَةِ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ حِينَ سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ بَلْ أَقَرَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهَا يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ أَمَرَ الْعَمَّ بِدَفْعِ نَصِيبِ الْبِنْتَيْنِ وَالْمَرْأَةِ إلَيْهِنَّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَّ لَمْ يَأْخُذْ الْمِيرَاثَ بَدِيًّا مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ بَلْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْمَوَارِيثِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إنَّمَا يُسْتَأْنَفُ فِيمَا يَحْدُث بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَمَا قَدْ مَضَى عَلَى حُكْمٍ مَنْصُوصٍ مُتَقَدِّمٍ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِالنَّسْخِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَنْقُلُوا عَنْهَا

وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قال مرضت فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فَأَتَانِي وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْ وُضُوئِهِ فَأَفَقْت فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْضِي فِي مَالِي فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قِصَّةَ الْمَرْأَةِ مَعَ بِنْتَيْهَا وَذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ جَابِرًا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ وَجَائِزٌ أن يكون الأمر ان جَمِيعًا قَدْ كَانَا سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ فَلَمْ يُجِبْهَا مُنْتَظِرًا لِلْوَحْيِ ثُمَّ سَأَلَهُ جَابِرٌ فِي حَالِ مَرَضِهِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ وَهِيَ ثَابِتَةُ الْحُكْمِ مُثْبِتَةٌ لِلنَّصِيبِ الْمَفْرُوضِ فِي قَوْله تَعَالَى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ الْآيَةَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ غَيْرُ دَاخِلٍ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدُ الصُّلْبِ فَالْمُرَادُ أَوْلَادُ الْبَنِينَ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فَقَدْ انْتَظَمَ اللَّفْظُ أَوْلَادَ الصُّلْبِ وَأَوْلَادَ الِابْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدَ الصُّلْبِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ أَنَّهُ لِوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ فَهُوَ لِوَلَدِ ابْنِهِ وقوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قَدْ أَفَادَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَلِلذَّكَرِ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ وَأَفَادَ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>