تَمْشِي مِنْ «١» الرِّدَّةِ مَشْيَ الْحُفَّلِ ... مَشْيَ الرَّوَايَا بِالْمَزَادِ الْأَثْقَلِ
وَنَحْوُهُ الْغَائِطُ هُوَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ وَيُسَمَّى بِهِ مَا يَخْرُجُ من الإنسان مجازا أنهم كَانُوا يَقْصِدُونَ الْغَائِطَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ اسْمٌ لِلْوَطْءِ حَقِيقَةً عَلَى مُقْتَضَى مَوْضُوعِهِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَيُسَمَّى الْعَقْدُ بِاسْمِهِ مَجَازًا لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِ وَهُوَ سَبَبُهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُمِّيَ بِاسْمِ الْعَقْدِ مَجَازًا أَنَّ سَائِرَ الْعُقُودِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَالْهِبَاتِ لا يسمى منها شيء نكاح وَإِنْ كَانَ قَدْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْءِ الْجَارِيَةِ إذْ لَمْ تَخْتَصَّ هَذِهِ الْعُقُودُ بِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَصِحُّ فِيمَنْ يَحْظُرُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا كَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَمِنْ النَّسَبِ وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَنَحْوِهَا وَسُمِّيَ الْعَقْدُ الْمُخْتَصُّ بِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ نِكَاحًا لِأَنَّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ فَوَجَبَ إذَا كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْنَا أَنْ يُحْمَلَ قَوْله تَعَالَى وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ عَلَى الْوَطْءِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ تَحْرِيمَ مَنْ وَطِئَهَا أَبُوهُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النِّكَاحَ اسْمٌ لِلْوَطْءِ لَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُبَاحِ مِنْهُ دُونَ الْمَحْظُورِ كَالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْوَطْءُ نَفْسُهُ لَا يَخْتَصُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِالْمُبَاحِ مِنْهُ دُونَ الْمَحْظُورِ بَلْ هُوَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ حَتَّى تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى تَخْصِيصِهِ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَقُولُ إنَّ قَوْله تَعَالَى مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مُرَادُهُ الْوَطْءُ دُونَ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَقْدَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ لَفْظٍ وَاحِدٍ مَجَازًا حَقِيقَةً فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا التَّحْرِيمَ بِالْعَقْدِ بِغَيْرِ الْآيَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إيجَابِ تَحْرِيمِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ بِوَطْءِ الزِّنَا فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَجُلٍ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَامِرٍ وَحَمَّادٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ وَطْءِ الْأُمِّ قَبْلَ التَّزَوُّجِ أَوْ بَعْدَهُ فِي إيجَابِ تَحْرِيمِ الْبِنْتِ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِأُمِّ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَا يَدْخُلُ بِهَا قَالَ تَخَطَّى حُرْمَتَيْنِ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ عن عطاء أنه كان
(١) قوله الردة بكسر الراء وتشديد الدال ورم يصيب الناقة في أخلاقها والحفل جمع حافل وهي الناقة الممتلئ ضرعها لبنا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute