تَمْنَعُ مَنْ اسْتَحْدَثَ مِلْكًا فِي جَارِيَةٍ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا إنْ كَانَتْ حَائِلًا وَحَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَلَيْسَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ خِلَافٌ فِي وُجُوبِ اسْتِبْرَاءِ الْمَسْبِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ قَالَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ حَيْضَتَيْنِ إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ ثَبَتَ بحديث أبى سعيد الذي ذِكْرِنَا الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ هَذَا الِاسْتِبْرَاءُ بِعِدَّةٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِدَّةً لَفَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ منهن وبين من ليس لها زوج لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَنْ فِرَاشٍ فَلَمَّا سَوَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ كَانَ لَهَا فِرَاشٌ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِرَاشٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَيْضَةَ لَيْسَتْ بِعِدَّةٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي ذَكَرْت إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ فَجَعَلَ ذَلِكَ عِدَّةً قِيلَ لَهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي تَأْوِيلًا مِنْهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَنَّهُ عِدَّةٌ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ لَمَّا كَانَ أَصْلُهَا اسْتِبْرَاءَ الرَّحِمِ أُجْرِيَ اسْمُ الْعِدَّةِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ تأويل آخر وروى زَمْعَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وَرَجَعَ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ حرم الله تعالى الزِّنَا وَرَوَى مَعْمَرُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قَالَ فَزَوْجَتُك مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُك يَقُولُ حَرَّمَ الله الزِّنَا لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَطَأَ امْرَأَةً إلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُك وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قَالَ نَهْيٌ عَنْ الزِّنَا وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ كُلُّ مُحْصَنَةٍ عَلَيْك حَرَامٌ إلَّا امْرَأَةً تَمْلِكُهَا بِنِكَاحٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنَّ تَأْوِيلَهَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ حَرَامٌ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْآيَةِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إرَادَةَ الْمَعَانِي الَّتِي تَأَوَّلَهَا الصَّحَابَةُ عَلَيْهَا مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ السَّبَايَا اللَّاتِي لَهُنَّ أَزْوَاجٌ حَرْبِيُّونَ فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ هِيَ الْأَمَةُ دُونَ الزَّوْجَاتِ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَجَعَلَ مِلْكَ الْيَمِينِ غَيْرَ الزَّوْجَاتِ وَالْإِطْلَاقُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْإِمَاءَ الْمَمْلُوكَاتِ دُونَ الزَّوْجَاتِ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ مِنْ زَوْجَتِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا لَهُ مِنْهَا اسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ وَمَنَافِعُ بُضْعِهَا فِي مِلْكِهَا دُونَهُ أَلَا تَرَيْ أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ كَانَ الْمَهْرُ لَهَا دُونَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute